أكد خبراء الإعلام أن الانتفاضة الشعبية لم تكشف الغطاء عن الفساد السياسى والاقتصادى فحسب، لكنها أيضا عرت المنظومة الإعلامية الحكومية، وأن الجمهور الآن يعرف من يتحدث باسمه، وأشاروا إلى أن التجربة الآن أثبتت حقيقة الاتهامات الدعائية السوداء السابقة بحق بعض التجارب الصحفية غير الحكومية وعلى رأسها «المصرى اليوم».
وقال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«المصرى اليوم»، إن الإعلام الحكومى كان على مدار تاريخه يتسم بعدم احترام اتجاهات الرأى العام مع تعظيم اتجاهات قيادات الحزب ودور رجال الأعمال على حساب توضيح رؤية المفكرين والاقتصاديين وكل من له رؤية محايدة، بالإضافة إلى التداخل بين المناصب الإعلامية فى كل قطاعات الدولة والانتماء إلى الحزب الوطنى وهو الأمر الذى أوجد حالة من الانحياز التام لرجال الحزب وقياداته.
وأضاف، أن عدم التفريق بسياسات وجود متحدث رسمى والتعامل الإعلامى المتوازن فى وقت الأزمات تحت ضغوط الإعلام هو الأمر الذى أوجد سياسة عجيبة للتعامل مع المضامين الإعلامية المحايدة أو المعارضة بمعنى «قولوا ما تريدون بكل حرية ونحن سنفعل ما نريد» كما أوجد حالة من التناقض بين ما يثار يوميا على الشاشات التليفزيونية والصحف المستقلة والمعارضة وبين الواقع المعاش للسياسات والقرارات.
وأوضح العالم أن الصحف الحكومية كانت تقوم بتوضيب أكليشهات العمالة والتأويل السياسى لكل رؤية إعلامية تتسم بالحياد أو المعارضة، بدون الاستنارة أو الاستفادة من كل رؤية تنشر أو تبث تختلف مع سياسات الحكومة، وهو الأمر الذى اتضح فى الأيام الأولى للأزمة الحالية من خلال تجاهل رئيس الوزراء السابق وإدارته الإعلامية والتى اتسمت تصريحاته بالسطحية والعرجاء لا تتناسب مع خطورة المواقف.
وقال ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، إن انتفاضة الشعب المصرى على مدى الأسبوعين الماضيين لم تحقق مكاسب سياسية فقط، لكنها أثمرت نتائج على الصعيد الإعلامى ستعيد صياغة المشهد الإعلامى المصرى بحيث سيمكن الفصل بين إعلام ما بعد ٢٥ يناير وإعلام ما قبل هذا التاريخ، لقد أكدت الأحداث للجمهور المصرى أن منظومة الصحافة والإعلام التابعة للدولة والواقعة تحت سيطرة أجنحة ضيقة بالنظام الذى يتعرض للإطاحة الآن لم تكن سوى أدوات دعاية سياسية غير مهنية فى الأغلب.
وأضاف: الآن يلجأ الجمهور إلى الصحف الخاصة وعلى رأسها «المصرى اليوم» و«الشروق» - وللأسف الشديد - إلى بعض الفضائيات الناطقة بالعربية للتزود بالأخبار والتحليلات عن التفاعلات المتسارعة، بعد فقدان الثقة فى المنظومة الإعلامية الرسمية. مشيراً إلى أن الجمهور بات يدرك من الذى يقدم له خدمة إعلامية متوازنة وموضوعية، كما أصبح على وعى كامل بأن الإمكانيات والطاقات البشرية والمادية العظيمة الموجودة فى منظومة الإعلام الرسمى كانت تستخدم ضد وعيه وإدراكه.
وأوضح أن الجمهور يعى عما كانت تدافع عن وسائل الإعلام الرسمية، وأن الانتفاضة الشعبية لم تكشف الغطاء عن الفساد السياسى والاقتصادى فقط، لكنها أيضا عرت المنظومة الإعلامية الفاسدة وغير المهنية، والجمهور الآن يعرف من يتحدث باسمه، ويعرف حقيقة الاتهامات الدعائية السوداء السابقة بحق بعض التجارب الصحفية غير الحكومية وأن الاتهامات التى طالت عناصر ووسائل إعلامية خاصة سابقاً إنما كانت جزءاً من محاولة إطالة عمر الأوضاع الفاسدة والمتدنية الكفاءة السابقة.
واعتبرت الدكتور سهير عثمان عبدالحليم، مدرس الإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الثورة الشعبية الحالية أثبتت عكس ما روجت إليه وسائل الإعلام المصرية الحكومية من شائعات ضد وسائل الإعلام الخاصة على رأسها «المصرى اليوم»، واتهامها بالعمالة فى حال نشر قضايا الفساد ضد قيادات الحزب الوطنى، مؤكدة: «لو عايز تريح أعصابك الآن اتفرج على الإعلام الحكومى لأنك لن تجد سوى صورة شبه مجملة».
ووصفت سهير، الإعلام الحكومى الآن فى تغطيتها للثورة الشعبية بأنها أشبه بإعلام المذيع أحمد سعيد، أثناء نكسة ٦٧ وإسقاط الطائرات الإسرائيلية فى الإعلام فقط، قائلة «لا توجد وسيلة إعلام حكومية حتى الآن نشرت صورة لشعب يريد إسقاط النظام وإنما تحدثوا عن إصلاحات سياسية واقتصادية»، مشيرة إلى إن الصحافة الخاصة هى الأكثر مصداقية وشفافية نظراً لاعتمادها على الميدان والأحداث.
وأشارت إلى أنه من الطبيعى أن تتحدث وسائل الإعلام الحكومى بلسان حال السلطة والحزب الوطنى والحكومة وتدافع عن فساد قيادات الحزب الوطنى طوال الفترة السابقة لأنه توجه قديم ويشعرون بأنهم بيحافظوا على «لقمة عيشهم» و«بيمشوا جنب الحيطة».