تتوالى الأحداث مسرعة فى الشارع المصرى مع انتفاضة ٢٥ يناير، ومع أن الأحداث ساخنة والتغيرات متوالية، إلا أن المصريين قد تأكدوا من أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن التغيير هو سمة العصر الجديد، مصر جديدة تولد!
ويثور التساؤل إلى أين نحن ذاهبون، وهل يمكن إصلاح ما دمرته الأحداث وأى نوع من السياسة الاقتصادية تفرزها ثورة الشارع؟
هناك بالطبع حاجة لإصلاح خسائر الاقتصاد القومى خلال أيام الثورة، وبعضها خسائر طالت قطاعات الإنتاج والاستثمار ويتوقع أن تستمر تداعياتها لفترة سنتين على الأقل.
ويقدر البعض الخسائر الناتجة عن توقف الإنتاج فقط بحوالى ٣ مليارات دولار، وإذا أضفنا إلى ذلك خسائر قطاع السياحة التى قد تستمر لمدة موسمين على الأقل، وانهيار سمعة مصر كملاذ للاستثمار وخروج رؤوس الأموال فإن الإجمالى لن يقل عن ١٨ مليار دولار، وهو ما يقترب من ١٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، مع ذلك ليس هكذا تحسب الأمور!
ذلك أن الانتفاضة الشعبية هى ثورة على النظام الاقتصادى والسياسى القائم، هى قوة عاتية تحطم أصنام سياسة اقتصادية اهتمت بالأرقام أكثر مما اهتمت بالمواطن.. هى ثورة على أساسيات سياسة اقتصادية لا ترعى مصالح غالبية الشعب.. هى ثورة على تنمية زائفة اهتمت بإرضاء المؤسسات الدولية.
لا يكفى أن نتفاخر بمعدلات نمو رقمية، وندعى كما تفاخر أساطين الوزارة المنحلة أن مصر قد أصبحت نمراً على النيل، بينما يعيش ٤٠٪ من السكان تحت خط الفقر، وتعشعش الأمية على ثلث السكان، ويعانى غالبية الأطفال من سوء التغذية!
وليست التنمية فى إطلاق القنوات الفضائية لتسلية الناس وإلهائهم عن كل ما هو مفيد ومنتج، وليست التنمية أن نبنى مدارس لا تعلم، ومستشفيات لا تعالج، ومصالح حكومية لا تعمل!
هذا النمو الزائف الذى انعكس فى انتفاخ جيوب طبقة صغيرة من الأغنياء، وشجع الاحتكار، وقضى على الطبقة الوسطى وأهمل الفقراء، لا يمكن أن يؤدى إلى أى خير!
كيف نصلح الأمور إذن؟!
نحمد الله أن الخسائر التى طرأت على البنية الأساسية من مرافق ومبان وإصلاح تعتبر ضئيلة نسبياً، ويمكن بسهولة تعويضها، المهم هو أن نهتم فى الأيام القادمة بعودة المواصلات والمرافق إلى أدائها الطبيعى.
أما بخصوص السياسة الاقتصادية فنأمل أن يحافظ البنك المركزى على حرية تحويل العملات الأجنبية لأغراض التجارة والأعمال، مع ذلك من الواجب مراقبة التحويلات الرأسمالية المشبوهة وغير المبررة، ولقد اتبعت ماليزيا سياسة مشابهة بعد الأزمة المالية عام ١٩٩٧، وفى غضون عام واحد كان من الممكن استعادة العمل بالتحويلات المالية المعتادة.
ومن الواجب مباشرة وضع برنامج طوارئ لمكافحة البطالة وفتح المجال أمام تشغيل الشباب، هناك احتياج لدعم تمويل الصناعات الصغيرة، وقد يتم هذا من خلال الصندوق الاجتماعى للتنمية والبنوك، مع ذلك لابد من وضع أموال إضافية تذهب مباشرة لقطاعات الإنتاج التى تشغل الشباب، هناك نماذج معروفة فى دول أخرى تقوم فيها الدولة بإعطاء مزايا ضريبية ومالية للمصانع التى تشغل العاطلين.
ومن ناحية أخرى، يجب على وزارة المالية إصلاح الهيكل الضريبى على مصادر الدخل والثروة التى لم تتحمل العبء الكافى فى الماضى، مثل قطاع العقارات والبورصة، ولعل تحقيق العدالة فى النظام الضريبى يكون بداية فى إعادة تكوين السياسة الاقتصادية لمرحلة ما بعد ثورة.
نأمل أن نكون على أعتاب نظام جديد، يؤكد قيمة العمل الإنتاجى والمشاركة، ونهاية لعصر اقتصاد النهب والاستحواذ، دعونا نبنى معاً مصر التنمية والنهضة! والله الموفق.
الأحد فبراير 06, 2011 7:35 am
