لست قلقة على اقتصاد مصر

كان الاختيار ما بين عنوانين لهذا المقال: «التغنى بدور القطاع الخاص» أو «لست قلقة على اقتصاد مصر»، وقد آثرت الثانى، ليس لأننى لا أؤمن بدور القطاع الخاص وقناعتى بأنه سيتحمل مسؤوليته كاملة فى ظل تعاظم دوره فى المرحلة المقبلة، ولكن لأننى ما لبثت أن رأيت جلياً أن الاقتصاد المصرى سينمو من جديد على أكتاف شبابنا، وأن مبادرات القطاع الخاص والسياسات المغايرة للحكومة، بُغية تصحيح الأوضاع، بما فى ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وإجراءات البنك المركزى لمنع انهيار الجنيه المصرى، كلها عوامل أساسية لا غنى عنها، وإن أراها عوامل مساعدة، فالأصل هو شبابنا الذى أصبح إيماننا به لا حدود له.

وتطالعنا الصحف اليومية وبرامج التليفزيون بالخسائر الفادحة التى يتكبدها الاقتصاد المصرى يومياً خلال فترة أسبوعى الثورة وحتى الآن، والتى تتراوح ما بين ٦٠ و١٠٠ بليون دولار، ولكن هل يصح لنا هنا طرح التساؤل بصوت مدو - والذى كنا فى الماضى نطرحه بصوت خافت - عن حجم الخسائر الاقتصادية التى تكبدها اقتصادنا طوال السنوات الماضية التى تأصل فيها الفساد وعدم الاكتراث بمصلحة مصر.

إننى بهذه المقدمة لا أسعى إلى الاستهانة بحجم الخسائر أو الإقلال من الصعوبات التى سنواجهها مستقبلاً بالنسبة للاستثمارات وعزوف المستثمرين الأجانب عن القدوم إلى مصر وتراجع السياحة وتفاقم معدلات البطالة وانخفاض قيمة الجنيه المصرى وارتفاعات متوالية للأسعار ومواجهة أكثر أنواع التضخم شراسة وصعوبة استعادة أسواق التصدير.. إلخ، فكل هذه الصعوبات متوقعة، بل إن أحجامها قد تفوق توقعاتنا، وأن أزمة الاقتصاد المصرى آتية لا مفر، إلا أننى أسارع بالقول إنها ستكون أزمة مؤقتة أرجو أن تنقضى سريعاً، لأن ما أشعلته ثورة ٢٥ يناير هو الشفافية ومحاسبة الفساد وعدم السكوت عنه والمطالبة بالاستقرار والديمقراطية، ولا لبطش حقوق الإنسان، لا خوف من التمديد أو التوريث، ولا خوف من العمولات الإجبارية، ولا خوف من غياب القانون، ولا خوف من لغز نظام مبارك، كل هذا من شأنه أن يخلق بيئة آمنة تعمل على تشجيع تدفقات الاستثمار وليس العكس.

لم تأت ثورة ٢٥ يناير لتهدد اقتصاداً متعافياً وقوياً، بل كان معروفاً أن الاقتصاد المصرى كان هشاً وتأثر مثله مثل غيره من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن يقال إنه كان يتأهب لاستعادة معدلات نمو ما قبل الأزمة، ولكن على أى أساس كان سيقوم هذا النمو، لمجرد تباهى الحكومة ورجال الحزب الوطنى بتحقيق معدلات نمو مرتفعة قياساً بعدد التكييفات فى المنازل أو حجم الموبايلات المباعة فى مصر باعتبارها ضمن الإنجازات الرئيسية للحكومة.

لا شك أن معدلات النمو ليست دلالة على قوة الاقتصاد القومى، فإن قوة الاقتصاد تكون فى مدى استفادة القاعدة العريضة من هذا النمو وعدم قصره على طبقات محدودة من الشعب.

وأخيراً وليس آخراً، أود أن أجزم هنا - وكلى قناعة - بأن القطاع الخاص فى مصر قام بالدور المتوقع منه والمنوط به فى الفترة المقبلة، فإنه سوف يعيد الثقة للاقتصاد المصرى من جديد وبأسرع مما قد يتوقعه أحد، فهل القطاع الخاص على استعداد للتضحية من أجل مصر، ويبدو أن الأمر كذلك، فإنه على استعداد لتحقيق مكاسب أقل، وإعادة البناء، والاحتفاظ بالعمالة وفتح الباب لمزيد من التشغيل، خاصة أن القطاع الخاص يعمل به حالياً ١٢ مليون عامل وفنى ومهندس يمثلون نسبة ٧٠٪ تقريباً من قوة العمل فى مصر، ويقابل مبادرات القطاع الخاص التى نقرؤها كل يوم فى الصحف مبادرات لا تقل عنها أصالة وحباً فى مصر من عمال المصانع الذين أعلنوا استعدادهم للعمل مجاناً أيام الجمعة والعطلات لتعويض نقص الإنتاج خلال فترة الاضطرابات، ومبادرات عاقلة من شباب مصر عبر المحمول يدعون كل مواطن لشراء أسهم بـ١٠٠ جنيه، ويطالبون بعدم السحب من البنوك أكثر مما نحتاج.. إلخ.

إذا كان كل هذا صحيحاً، فيجب ألا نقلق على اقتصادنا، ومن الواضح أننا سنعيش فترة جديدة تتسم بثقافة عمل جديدة وثقافة جديدة للقطاع الخاص، وشكراً لشباب مصر الذى لم يبخل بحياته وفجّر هذه الروح وحب العطاء لمصر، فقد أشعلت ثورة ٢٥ يناير ثورة فى الشخصية المصرية، ولذا كلنا أمل وثقة فى مصر الجديدة، مصر الشابة التى ولدت من جديد.