د. ياسر أيوب يكتب: بعد الظلم والفساد.. مصر ضحية جديدة لكرة القدم

■ لا أعرف هل ما سأقوله هنا الآن كلام واقعى يمكن الإنصات إليه والتفكير فى الاستجابة له أم أنه خيال مستحيل أن يجد أحدا يلتفت إليه.. فأنا أتخيل أن أفضل الحلول لأزمة انفلات أعصاب وألسنة وتفكير بعض جماهير الأهلى والزمالك هو الاعتذار.. ولكن المشكلة من الذى سيعتذر لمن.. لو قلت إن الأهلى ممكن أن يعلن اعتذاره بالنيابة عن بعض الجماهير المتعصبة التى هاجمت شيكابالا بقسوة فى مباراة الأهلى وحرس الحدود وأقحمت والدته الراحلة فى صراع جماهيرى غير مبرر تجاوز كل الآفاق والحدود.. فسأجد معارضة هائلة من ثلاثة أنواع:

معارضة هائجة وساخطة يقودها من قادوا بعض هؤلاء الجماهير فى استاد القاهرة، والذين قطعا سيرفضون التقدم بأى اعتذار سواء لشيكابالا أو حتى للزمالك كله، حيث بات هؤلاء لا يتصورون أنهم مشجعون لفريق يلعب كرة قدم وإنما جنود مخلصون وعلى استعداد للتضحية والشهادة لناد باتوا يتصورونه هو الوطن.

ومعارضة هادئة وعاقلة يقودها من سيؤكدون أن الأهلى ككيان ضخم وهائل وحقيقى أكبر كثيرا وجدا من أن يتقدم باعتذار لفرد أيا كان هذا الفرد، سواء كان لاعبا أو مسؤولا.. وسيقول هؤلاء إن الأهلى نفسه لم يخطئ فى حق شيكابالا أو غيره ولا أحد يعتذر عما لم يرتكبه من أخطاء.. وإن هؤلاء المتعصبين يحبون الأهلى لكنهم ليسوا يتلقون أوامرهم من الأهلى وإدارته أو أى مسؤول فيه حتى يكون الاعتذار هنا حقا واجبا.

أما المعارضة الثالثة فستكون من نصيب الذين باتت تستهويهم الفرجة على ما يجرى ويشعرون أنهم أمام مسلسل درامى رائع ومثير يفيض بالحوادث والإثارة والمغامرات والمواجهات والتهديدات بالحرق والموت والدم.. وسيرفض هؤلاء بكل حزم وإصرار أى إنهاء مفاجئ لهذا المسلسل، حتى لا يضطروا للعودة لمتابعة مسلسلات أخرى سخيفة ومملة سواء فى الشارع أو المكتب أو البيت أو فى السوق وتحت قبة البرلمان.. وأول ما سيلجأ إليه هؤلاء لنسف فكرة الاعتذار من أساسها هو أن ما جرى يوم مباراة الأهلى وحرس الحدود لم يكن الفعل.. وإنما رد الفعل.. وصاحب الفعل الحقيقى كان شيكابالا نفسه الذى تراقص من قبل مع جماهير الزمالك وضبطته الكاميرا بالصورة والصوت يشتم جماهير الأهلى.

وهكذا نجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقية.. وسرطان مخيف بدأ يستشرى ولا يزال يواصل توغله بينما نحن نقف نكتفى بالفرجة والخلاف بيننا قائم والجدل دائر وساخن حول سبب هذا السرطان وكيف بدأ ومن الذى أخطأ أولا.. والذى أعرفه الآن أن هؤلاء المتعصبين من جماهير الأهلى راحوا لبيوتهم بعد مباراة الحرس وهم فى غاية السعادة والنشوة شاعرين بمتعة الانتصار وسحق الخصوم والمنافسين بالكلام كعادة معظم المصريين الذين لم يعودوا يملكون إلا الكلام.. وأعرف أيضا أن هناك حاليا جلسات واجتماعات عمل مكثفة ومتواصلة يقوم بها متعصبون ينتمون للزمالك لتأليف أغان وشتائم جديدة تسخر من نجوم ورموز الأهلى.. أى أننا أصبحنا أمام سباق ليس فى الحب أو الانتماء أو الفرحة وإنما سباق مخيف فى إهالة التراب والوحل على كل شىء وكل أحد.. ويا ليت الأمر سيبقى مقصوراً على ذلك..

وإنما سيتطور بأسرع مما يتخيل أى أحد ليصبح واقعا لا يمكن تخيل قسوته وصدمته وسيصعب جدا السيطرة عليه وقتها.. فالشتائم والإهانات يطلقها حتى هذه اللحظة متعصبون ينتمون للأحمر أو الأبيض.. ولكن هل سيبقى باقى جمهور الأهلى ساكتا وهو يرى بضعة متعصبين للزمالك يهينون كل من ينتمى للأهلى وكل ما يرمز إليه.. وهل سيبقى كل جمهور الزمالك متفرجا ولا يندفع أو يضطر للنزول لهذا البحر مدافعا عن ناديه وأسماء ناديه.. وهل سيبقى الجميع مكتفين بشعار شتيمة مقابل شتيمة وإهانة ترد على إهانة.. أم أنه ستولد الحاجة للرد بالحجارة والطوب والمقاعد داخل الاستاد والصواريخ والشماريخ.. ثم بالسكاكين أو الخناجر والنار فى الشوارع خارج الاستاد.

وحتى لا يكون الكلام مرسلا وبلا أى هدف أو نتيجة وتحديد ووضوح.. فالأهم الآن ليس هو معرفة من المسؤول ومن الذى بدأ.. وإنما وقف أكثر من عجلة للكراهية وللدم والخراب بدأت بالفعل تدور.. وقد تعمدت أن أطيل فى أسباب عدم قبول الكثيرين جدا لفكرتى بالاعتذار سواء كان من الأهلى أو شيكابالا والزمالك.. ثم أتحدث عن مخاوفى الحقيقية والمبررة مما قد يجرى قريبا جدا.. لأطرح أكثر من فكرة أراها لازمة وممكنة وعاجلة أيضا.. فأنا أتمنى أن يظهر شيكابالا ضيفا على قناة الأهلى فى حوار طويل عنه وعن مشواره مع الكرة وعن حياته كإنسان.. وأن يتحدث شيكابالا عن تقديره واحترامه لجماهير الأهلى ومسؤوليه ونجومه دون أى اعتذار من أى أحد.. بل هو لقاء يعفى الجميع من ضرورة الاعتذار.. فشيكابالا ضيفا على قناة الأهلى يعنى أن الأهلى يعتز بنجم مصرى موهوب ويعنى أيضا وبنفس القدر أن شيكابالا يحترم الأهلى..

وأظن أن مثل هذا اللقاء العاجل جدا والضرورى جدا سيزيل الكثير من المواجع والأشواك التى تكومت وأدمت صدورا كثيرة هنا وهناك.. أتمنى أيضا أن يفرض اتحاد الكرة.. وربما للمرة الأولى طوال قرابة التسعين سنة.. سطوته وهيبته على كل الأندية وفى مقدمتها الأهلى والزمالك.. ولابد أن يعلن اتحاد الكرة.. مدعوما من الدولة بكل سلطاتها السياسية والأمنية.. أن النادى الذى سيمارس جمهوره السباب الجماعى سيلعب مباراته المقبلة بدون جمهور حتى لو كانت مباراة القمة.. وأتمنى أن يفيق كثيرون من غفوتهم وأن يستقيلوا ولو مؤقتا من فكرة التعصب الأعمى والمجنون سواء للأحمر أو الأبيض.. الذين بكل الطرق والوسائل والأفكار..

لا يجدون أى خطأ يخص النادى الذى ينتمون إليه ولا يجدون فى المقابل أى ميزة للنادى الآخر.. وأن يفيق هؤلاء الذين من باب الفراغ والخواء.. أو الاستظراف.. أو البحث عن دور واهتمام.. فيتوقف الجميع عن تكريس فكرة ومبدأ أن الأهلى.. أو الزمالك.. هو البديل للوطن.. فأنا لا أتخيله عاقلا ذلك الذى يردد بكل تبجح أن الأهلى أغلى من الدم إلا لو كان دم هذا الإنسان رخيصا إلى هذا الحد.. ولا أتخيله عاقلا أيضا ذلك الذى يتخيل ساذجا أن الزمالك أغلى من حياته.. فالحياة كما أتصورها أغلى من ذلك كثيرا وجدا.. ومصر مهما كانت جريحة أو موجوعة أو ضحية ظلم وفساد وإهمال ستبقى داخلنا أغلى وأعمق وأرق وأكبر من اختصارها فى كرة قدم.. ولن نرضى أبدا أن تكون ضحية للكرة وللأهلى والزمالك معا.

■ أنا سعيد جدا بهذا الاهتمام الطاغى الذى بدأ الحضرى يلقاه فى السودان بعدما نال الجنسية السودانية وانضم رسميا للمريخ.. سعيد بهذا الحب الذى قد يعيد للحضرى توازنه الذى كاد يضيع.. فأنا أصلا أحب الحضرى رغم كل أخطائه الكثيرة وخطاياه القديمة.. وكلما وجدت الكثيرين يرسمون للحضرى صورة الخائن أو الطماع أو العابث تذكرت على الفور صورة الحارس العملاق وكل انتصاراته وحجم إسهامه الحقيقى فى فرحة المصريين بمنتخبهم وانتصاراته يوما بعد يوم وبطولة بعد أخرى..

ولكننى أصبحت أفضل أن يصمت الحضرى قليلا هذه الأيام ويهدأ ويجيد اختيار مستشاريه الذين يرسمون له خطواته ويحددون له اختياراته.. فمن المؤكد أن الحضرى.. المتوافر الآن بغزارة على مختلف الشاشات.. يطيل الحديث ويعيده ويكرره متخيلا أنه يكسب الناس من جديد ويستر مساحات ضاعت منه أو أضاعها هو سابقا.. بينما هو فى الحقيقة يخسر أكثر كلما تكلم أكثر.. فالحضرى يريد الدخول إلى الساحة السياسية فى مصر عقب اعتزاله القريب جدا لكرة القدم..

فيسافر الحضرى إلى السودان ويحصل على الجنسية السودانية حتى يصبح من حقه اللعب للمريخ.. والحضرى يعيش الآن واحدة من أشد أزماته وطأة ويشهد قسوة ومعاناة الخصام والفراق مع جماهير أكبر ثلاثة أندية مصرية.. الأهلى والزمالك والإسماعيلى.. فيروح يحتفل بعيد ميلاده ويرقص مع زوجته وجميلات المجتمع الناعم ونجمات السينما المصرية ويحرص على نثر صور عيد الميلاد فى كل مكان وبالتحديد صورة زوجته وقد كتبت على فستانها اسم الحضرى..

والحضرى يواجه شكوكا ومطالب بضرورة إنهاء رحلته مع منتخب مصر وإتاحة الفرصة لآخرين قدامى أو جدد.. ولكن الحضرى الموقوف بأمر الفيفا يظهر على شاشة التليفزيون الكويتى بعد خسارة مصر أمام قطر وهو يرتدى الجلباب والعقال يرقص ويغنى.. المسألة إذن تحولت إلى فوضى.. ومواجهة أى فوضى تستدعى التوقف والهدوء والصمت والتركيز حتى تكون هناك فرصة حقيقية لترتيب كل شىء من جديد.

■ أنا سعيد جدا بتصريح سمير زاهر.. رئيس اتحاد الكرة.. حين قال أمس الأول.. إن صوت مصر كان سيذهب للجزائرى محمد روراوة فى انتخابات اللجنة التنفيذية للفيفا عن أفريقيا حتى لو لم تتم المصالحة مؤخرا فى الدوحة برعاية محمد بن همام.. ورأيته تصريحا يحمل الكثير من الرقى والانتماء والالتزام ولا يقلل أبدا من مكانة زاهر أو كبريائه أو اعتزازه بكرامته ومصريته.. بعكس تصريح القطرى محمد بن همام الذى كان فظا ومتعاليا حين سئل منذ يومين فى دمشق لمن سيذهب صوت قطر فى انتخابات اختيار نائب رئيس الفيفا عن قارة آسيا.. الأمير الأردنى على بن الحسين أم الكورى تشونج مونج جون.. فقال بما لا يمكن تفسيره من تعال وثقة مغالى فيها.. قطر ستمنح صوتها وفق مصالحها الخاصة.. وأظن أن ذلك لم يكن لائقا..

ولست أقصد أننى أطالب بن همام بأن يكذب علينا ويقول إن قطر ستمنح صوتها لأمير أردنى بحكم انتماء عربى.. وإنما أقدم لـ«بن همام» نصيحة حقيقية وصادقة تتلخص فى أنه ليس هناك أى داع أو ضرورة لصنع مزيد من الأعداء والكراهية لقطر كل يوم جديد.. فمن المؤكد أن قطر خاضت معركة صعبة وقاسية وكبرى وحاسمة للفوز بمونديال ٢٠٢٢ وسط كبار وأغنياء وسادة العالم.. ومن حق قطر أن تحتفل بانتصار لم يتحقق بما تملكه من مال فقط.. إنما كان هناك الجهد والفكر والتخطيط والذكاء إلى جانب المال.. ولكن ليس من مصلحة قطر أن تبدأ - فى نشوة انتصارها - فى صنع أعداء كثيرين هنا وهناك..

فتشترى فانلة برشلونة فى صفقة أثارت الاستياء وغضب الإسبان.. ثم تروح تعرض مليارا ونصف المليار إسترلينى لشراء مانشستر يونايتد وتثير استياء واستغراب ودهشة ومرارة الإنجليز بعد أقل من أسبوع على الغضب الإسبانى.. وبعد ثلاثة أيام يثير بن همام استياء الأردن وبقية عرب الخليج المؤيدين للأمير على بن الحسين فى انتخابات الفيفا..

ثم تخرج تصريحات صحفية من الدوحة تفيد أن بن همام يقود حاليا مخططاً للسيطرة على المكتب التنفيذى للاتحاد الأفريقى عن طريق أبوريدة وروراوة تمهيدا للإطاحة بعيسى حياتو وضمان السيطرة القطرية على الاتحادين الآسيوى والأفريقى.. وأنا لست ضد أى حلم أو طموح قطرى.. حتى ولو كان السيطرة وامتلاك الفيفا نفسه ونقل مقره إلى الدوحة.. ولكننى بالفعل سعيد بنجاح قطر فى المونديال..

وأحب أن تصبح قطر قوة كروية عظمى وحقيقية.. ولكنها بهذه السياسة تصنع الأعداء لا الأصدقاء.. وفى كل يوم جديد يزيد عدد الكارهين والخصوم بعدما كانوا حلفاء.. وليس فى ذلك شىء من الحكمة.. فالحكمة غالبا تتطلب أن يكون الأكثر نجاحا هو الأكثر تواضعا.. وأن يقترب أكثر الذى يريد قمة الجبل من كل الذين هناك فى السفح.. وأنا لا أطلب أن تتنازل قطر عن كل طموحاتها وأحلامها.. فقط أريدها أن تكون كما كانت.. الأكثر ذكاء.. وأتمناها أن تكون كما ينبغى.. الأكثر إنسانية.