ياسر أيوب يكتب : الوطن.. وكرة القدم

منذ بداية ثورة المصريين فى الخامس والعشرين من يناير وحتى نجاحها فى الحادى عشر من فبراير ٢٠١١.. كانت المرة الأولى منذ سنين طويلة التى ترتفع فيها أعلام مصر فى كل الشوارع والميادين دون الكرة ومنتخبها وانتصاراته وبطولاته.. المرة الأولى التى يكتشف فيها المصريون أنهم ليسوا فى حاجة لكرة القدم ليفرحوا بمصر وفى مصر.. المرة الأولى التى تغيب فيها كرة القدم ولكن تبقى مصر حاضرة ودائمة وقوية ومنتصرة ومسكونة بالفرحة والكبرياء..

وكان هذا بالتأكيد هو أحد مكاسب مصر التى لا أول لها ولا آخر من ثورة شباب مصر فى التحرير وكل شارع وميدان فى أى مدينة مصرية.. فلم تكشف هذه الثورة وأصحابها الرائعون فقط عن طغاة وفاسدين فى هذا الوطن.. وعن منافقين ومتحولين ومتلونين وأبطال بأثر رجعى ولصوص قادرين على سرقة أى شىء من الوطن إلى الثورة التى قامت من أجل الوطن.. وإنما كشفت لنا هذه الثورة أيضا زيف ما كنا نردده كلنا عن كرة القدم فى بلادنا وأنها الفرحة الوحيدة.. الكبيرة والحقيقية.. فى هذا الوطن.. فقد ثبت أن ذلك ليس صحيحا.. وأن الفرحة الحقيقية ليست تسجيل هدف أو فوز بمباراة ولكنها استعادة وطن كان مخطوفا.. الفرحة الكبيرة ليست فى ملعب كرة وإنما فى شوارع وبيوت آمنة وعدالة ليست مفتوحة العينين وقانون قادر على أن يطال الجميع ويحاسبهم.. ولست أقصد بذلك أن المصريين.. بعد ثورة يناير وانتصار فبراير.. لن يعودوا يحفلون بكرة القدم أو يتابعون نتائجها بمنتهى الشغف والهوى.. فذلك لن يحدث أبدا..

وستبقى كرة القدم فى حياتنا مثلما هى فى حياة شعوب كثيرة غيرنا.. أمر مهم وحيوى وساحة لتجسيد المشاعر وعيادة لعلاج أمراض ومواجع النفس والمجتمع.. وسلاح واجب علينا استخدامه لإكمال مشروعات أو تحقيق طموحات سياسية وإنسانية واجتماعية.. ولكن الفارق الذى حدث هو أن كرة القدم لن تبقى هى الوطن.. ولن يتعاطاها المصريون بعد اليوم قرصا مسكنا ضد ألم الفقر أو البطالة أو الإحباط أو الفساد.. وبلادنا أصبحت جمهورية مصر الحرة.. الثائرة والقوية والغاضبة والقادرة..

ولن تبقى ولن تعود أبدا جمهورية مصر الكروية.. ولن يجرؤ أحد عاقل بعد اليوم أن يزعم أن الأهلى أو الزمالك أهم أو أجمل ما فى هذا الوطن أو يصلح أحدهما بديلا للوطن.. وإذا كانت مصر قد عاشت أيام الثورة دون وزارة داخلية.. ورغم ذلك لم تشهد أى خروج على النص باستثناء جرائم المساجين والمسجلين خطر الذين تم إطلاق سراحهم بالعمد وقصد الترويع.. فإنها أيضا لم تشهد أى ملامح لذلك الصراع السخيف الدائر منذ سنين بين أنصار الأهلى والزمالك باستثناء قليلين جدا لم يحفلوا بالثورة ولا بمصر كلها وبقيت الدنيا بالنسبة إليهم هى مجرد أهلى أو زمالك..

وهؤلاء بات يسهل الآن حذفهم من خريطة مصر والناس والكرة فى مصر.. مثلما يجب حذف كل هؤلاء الذين باتوا يتسابقون الآن لصب اللعنات وإهالة التراب على زمن مبارك ومفرداته ورجاله وهم الذين صدعونا سنينا طويلة بأمجاد مبارك وفضل الأستاذ جمال والأستاذ علاء على الكرة المصرية ومنتخبنا القومى وكانوا يتسابقون للتباهى والتفاخر بعضوية لجنة السياسات.. ولكن القضية الأخطر والأهم من كل ذلك هى أن تنتقل عدوى الثورة إلى كل مؤسسات كرة القدم.. فلا يبقى فيها أى فساد أو تحايل أو إلغاء لقوانين أو تغييب لعدالة من أجل مكاسب ومصالح خاصة.. فالمصريون، بعد اليوم، لن يسكتوا ولن يسمحوا لأى أحد بأن يخدعهم من جديد بشعارات زائفة أو وجوه قبيحة وأقنعة مستعارة.