ما سبب قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ العظيمة (هذا اسمها كما سيسميها التاريخ وكما ستدرس لطلبة المدارس فى المقررات)؟! ليس الفساد كما يظنون رغم أنه عامل مهم، ولا هو مجرد التفاوت الطبقى أو الفقر، السبب الخفى الواضح، أو هو الخفى من شدة وضوحه حتى يعمى ضوؤه الأبصار فلا تراه، هو الظلم وغياب العدل فى كل أمر من أمور مصر:
ظلم للإنسان المصرى بإهانته فى أقسام الشرطة وعلى يد أمناء الشرطة والمندوبين وإجباره على تقديم الإكرامية فى مخالفات المرور.
ثم ظلم مقابل لرجال الشرطة برواتب ضعيفة وتدريب متخلف وضغط غير عادى من القيادات يؤدى إلى استخدامهم الوسائل القذرة من إهانة وتعذيب ليأتوا بالنتائج المطلوبة منهم، والتى لم يدربوا على الحصول عليها بطريقة صحيحة.
ظلم للتلميذ فى مدرسته بتعليم فاسد ضعيف يحشو عقله الصغير بما لا يفيد ويجبره على البقاء فى البيوت طوال السنة الدراسية، وظلم لأهله بإجبارهم على الدروس الخصوصية التى صار لابد منها تبعا لذلك، وظلم للمدرس براتبه الضعيف وبالتالى إجباره حتما على التنقل ليل نهار من أجل هذه الدروس فلا يعيش بصورة طبيعية أو يؤدى رسالته التعليمية لحاجته المالية الأكيدة لهذه الدروس.
انظر: ظلم للشىء وما يقابله، ظلم للتلميذ والأهل والمدرس، ظلم للمواطن وللشرطة!
ظلم يقع على الفقراء بسبب فقرهم غير الإنسانى مقارنة بغيرهم من الميسورين، فيكافح من أجل أن يعيش هو وأولاده حياة معقولة لكن دون جدوى ويرى غيره يعيش هانئا دون أن يطول هذا، بل إن هذا الوضع يظلم معه غير الفقير عندما يعيش فى حياة كريمة لكن وسط الفقراء فيرى فى عيونهم كشخص يأكل وحده وسط الجوعى الذين ينظرون إليه، وليس هذا خطأه ولا هذا خطأهم.
ظلم للموظف بتقديم راتب ضعيف جدا له لا يكفيه ولا يكفى أسرته، فيعيش فقيرا ويعمل لفترتين ويركب عدة مواصلات رغم أن المكتوب فى بطاقته «مدير عام».
ظلم للأقباط بلا داعى بحرمانهم من مناصب أو تضييق فى بناء كنائس، ثم يعالج ظلمهم بظلم مقابل للمسلمين المتدينين بأطيافهم من إخوان إلى سلفيين إلى مجرد ملتزمين، ثم ويا للعجب ظلم للإصلاحيين واليساريين باعتبارهم أعداء النظام، يعنى لا مسيحى ولا إسلامى ولا علمانى ولا بهائى ولا يهودى يترك دون ظلم بسبب انتمائه الدينى أو الفكرى فما المطلوب؟ مرة أخرى ظلم للشىء ومقابله.
أهل الريف مظلومون وانظر إلى مستوى الخدمات هناك، وأهل الصعيد مظلومون بإهمال الصعيد وإفقاره الشديد وكأنه ليس جزءا من مصر، أهل بورسعيد يظلمون لأن بورسعيد لا تحب مبارك رغم أن لها كل حق فى ذلك لأنه اضطهدها وكأنه لم يطق ما حل بهم من خير فى السبعينيات، أهل النوبة مظلومون وتم الاستيلاء على أرضهم ثم الإصرار على ذلك، عرب سيناء وباقى البدو مظلومون بتعامل الدولة، خاصة الشرطة، معهم باحتقار وكأنهم ليسوا مصريين.
ظلم فى التعيينات وفى الوظائف المرموقة فى الدولة فكلها تتبع معيارى الوساطة والمستوى الاجتماعى فيظلم آلاف ممن يستحقون فعلا هذه الوظائف ويرون بأعينهم شباباً لا يستحقون أى مجد يتم قبولهم بالترحاب فى هذه الوظائف لمجرد أنهم أبناء فلان بيه أو فلان باشا فتزيد حسرتهم، فالشعور بالظلم أشد من الظلم نفسه.
حتى خارج بلده، المصرى يطارده النظام بالظلم، فلسبب لا أحد يفهمه يتعمد مبارك ألا تكون للمصرى قيمة فى الخارج سواء فى دول الخليج أو ليبيا أو أى دولة أخرى، ففى هذه البلاد يحسب ألف حساب لأى جنسية إلا المصرى فهو وارد مجانا، وهو مهان وإذا لم يعجبه ذلك فلا دية له، ليسجن أو يجلد أو على الأقل يطرد ليعود للفقر فى بلده دون اعتبار لأن له بلدا سيحميه أو سفارة سيلجأ إليها.
ظلم أيضاً يصيب الشعور الوطنى العام للإنسان المصرى على المستويين الداخلى والخارجى: فداخليا - ولسبب لا يعرفه إلا مبارك شخصيا - يؤتى بأسوأ الناس وأرذل البشر المكروهين ليعينوا وزراء على رقاب العباد فإذا ضج منهم الناس واشتكوا فيكون هذا فى حد ذاته سببا إضافيا لبقائهم واستمرارهم لعقود، وينطبق الأمر ذاته على باقى المناصب القيادية كرؤساء تحرير الصحف الحكومية مثلا، بل يبالغ فى إكرامهم وكأنها نكاية فى من يرفضهم، أما خارجيا فتعاون مخز مع من يعتبرهم الشعب أعداءه، فيشعر المصرى بأنه لا قيمة لرأيه وعليه أن يقبل أن يكون بلده هو «مصرائيل» كما عيرنا إخواننا الجزائريون فى الأزمة الشهيرة.
مصر لا تستحق كل هذا الظلم، الشعب المصرى لا يستحق كل هذا الظلم، كل المصريين مضطهدون وكلهم مظلومون، هذا الظلم بأنواعه هو سبب خيبة مصر فى كل المجالات وانحطاط شأنها وقدرها وهزيمة الإنسان فيها بعد أن كانت كبيرة وواعدة تقود العالم العربى ويتطلع إليها الجميع، هذا الظلم هو سبب الثورة.