ما نجحت فيه الشرطة فى القاهرة يوم الثلاثاء فشلت فيه بجدارة فى السويس، ربما كانت القاهرة تشتعل بحماس شباب الفيس بوك، لكن السويس اشتعلت بحماس شباب تربىّ على حكايات الآباء والجدود الذين قاوموا حصار الجيش الإسرائيلى بقيادة شارون فى ٧٣، أصبحت السويس مصدر إلهام جديد للبلد كله، ودليلا على نجاح الدعوة التى تجددت بعد أن اكتسب المتظاهرون (قدرا من الجرأة)عززه كليب انتشر فى كل العالم لشاب فى قصر العينى يقف فى مواجهة مدرعة أمن مركزى بمفرده ليرغمها على التوقف وسط تكبيرات المتظاهرين.
عززه اعتصام المحامين والصحفيين وانسحاب محمود سعد من «مصر النهارده» وصور للميدان المزدحم بالمعتصمين ألهبت حماس الشعب كله ونمت شعورا بالندم على عدم التواجد فى الميدان، منهم من فاتته اللحظة لأنه التزم بيته، ومنهم من فاتته لاستحالة التسلل إلى الميدان بسبب الحصار الأمنى.
عززته قصص مستفزة متداولة على النت عن الضرب والإهانة التى تعرض لها الكثيرون، مصحوبة بصورة يظهر فيها الصحفى محمد عبدالقدوس مسحولا على الأرض بينما جنود الأمن المركزى يسحبونه من ساقيه.
عززه أيضا إعلان اتحاد الكرة تأجيل مباريات الدورى العام بطلب من الأمن.
وأخيرا البرادعى يعلن أنه فى طريقه إلى القاهرة.
أما تحذير الداخلية من تكرار ما حدث فهو القشة التى قصمت ظهر البعير.
فجر يوم الجمعة.. بدأ النظام يدق المسمار الأول فى نعشه بأن قطع الاتصالات وقطع الإنترنت.
«فأغشيناهم فهم لا يبصرون».. كان النظام يعتقد أنه يجهض التحرك بهذا التصرف، لكنه كان محرضا قويا على التحرك، ٤٠% ممن شاركوا فى جمعة الغضب كان باستطاعتهم متابعة الفعاليات والمشاركة فيها بالنضال عبر الفيس بوك، لكن بما أنهم قد حرموا من آخر فرص النضال وأصبحوا يعيشون فى عماء قلة الاتصالات لم يكن هناك مفر من النزول إلى الشارع.
يوم جمعة الغضب كان سقف طموح المظاهرة هو الوصول إلى ميدان التحرير والاعتصام به لإبلاغ الرسالة، يكذب من يخبرك بغير هذا.
كنت شاهدا على موقعة قصر العينى التى تكررت بكل تفاصيلها فى الجيزة وكوبرى الجلاء، الشرطة فى قمة توترها وعنفها، المدرعات التى شوه كليب شاب قصر العينى صورتها طاحت فى البشر، كان الاستفزاز باعثا على الصمود والتقدم.
نقلة جديدة فى السيناريو الربانى.. ثبّت الله أقدام المتظاهرين لأول مرة منذ زمن بعيد وأرعش قبضة الشرطة، كان وزير الداخلية يتابع الأمر من بيته فى المهندسين حتى الرابعة عصرا، تلقى معلومات سلبية جعلته يخرج من منزله مرتديا التريننج سوت متجها إلى الداخلية.
كانت قوة الشرطة قد أوشكت على الانهيار.. من المؤكد أيضا أن قوة المتظاهرين البدنية لم تكن لتصمد كثيرا.
كانت مسألة وقت قبل أن تسيطر الشرطة على الوضع نسبيا.. لكن الله ألهم النظام أن يدق المسمار الثانى فى نعشه.
النظام يتعجل فى اتهام الشرطة بالتقصير ويلوح للوزير بنزول الجيش، العادلى يعتبرها إهانة من النظام فيقرر معاقبته حتى يحافظ على (برستيجه) فيصدر أمراً لقواته بالانسحاب (خليهم يورونا الجيش هيعمل إيه)، البلد يقع فجأة فى قبضة المتظاهرين فى مفاجأة كبيرة لهم قبل أن تكون مفاجأة للنظام لتشتعل الأحداث.