وسط الزحام الشديد فى ميدان التحرير، ما بين متظاهرين يرددون الهتافات وحاملى اللافتات والباعة الجائلين والسياسيين، والأطفال الذين يحملون علم مصر فوق رؤوسهم، جلس رجل أربعينى يرتدى زياً أنيقاً، على كرسى بجوار أحد أرصفة الميدان، لا تظهر عليه علامات تفسر سبب وجوده فى المكان، فهو يهتف قليلا ويصمت طويلا، ولم يحمل لافتة أو يكتب إحداها، ولكنه وضع أمامه منضدة مغطاة بقطعة قماش تخفى ما تحتها، بالاقتراب منه تظهر هويته من جملة كتبها ولصقها على كتفه، وهى موجودة أيضا على كتف اثنين بجواره، تقول «لجنة أمانات الثورة».
مع بدء المظاهرات جاء إسماعيل عبدالله – مدير عام بأحد البنوك- إلى الميدان ليعبر عن رأيه كغيره من أن المتظاهرين، خاصة بعد أغلقت البنوك أبوابها وأصبح لديه متسع من الوقت للقيام بذلك، وبمرور الوقت بدأ يجد بطاقات شخصية سقطت على الأرض بعد أحداث يوم الرحيل الذى شهد معركة ضارية بين مؤيدى ومعارضى مبارك، فبدأ ينصح الشباب بجمع كل ما يجدونه من أموال أو متعلقات شخصية لوضعها فى لجنة الأمانات إلى أن يسأل عليها صاحبها، ولتبقى المظاهرة قائمة بشكل متحضر، على حد تعبيره.
يحكى «عبدالله» قصته مع المظاهرات فيقول: «فى البداية جئت لأعبر عن رأيى لمدة دقائق وأرحل، ولكن بعد اختفاء شقيق زوجتى الذى من المحتمل أن يكون من المعتقلين، وبعد وفاة ٣ أولاد من أبناء شارعى تغيرت نظرتى للمظاهرة، وزاد اهتمامى بضرورة تواجدى هنا، وبالفعل بدأت أحضر وزوجتى للميدان لساعات طويلة، لنعلن عن غضبنا لما حدث من اعتقال أو قتل، وبمرور الوقت جاءت فكرة لجنة الأمانات للحفاظ على متعلقات المتظاهرين».
بمجرد أن رفع «عبدالله» الغطاء عن المنضدة، ظهرت عشرات البطاقات الشخصية ورخص القيادة وعدد من الهواتف المحمولة و الساعات والمَحَافظ الشبابية والنقود، مفقودات كثيرة تنتظر أصحابها دون جدوى، فرغم مرور عدة أيام على أحداث يوم الرحيل فإن البطاقات، التى تعتبر ذات أهمية كبيرة كهوية شخصية لم يأت أحد لتسلمها أو السؤال عنها إلا قليل فقط.
ورغم عودة البنوك للعمل رفض «عبدالله» استئناف عمله ويوضح السبب قائلا: «لن أعود إلى عملى حتى يتم الإفراج عن شقيق زوجتى وتحقيق مطالب الثوار الشهداء الذين سالت دماؤهم على قارعة هذا الميدان، فالأمر بالنسبة لى أصبح أشبه بالثأر لشباب لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا الحرية».