المواقف تتبدل والأخلاقيات أيضاً، ولا نستطيع أن نستثنى الشرطة.. فهناك مواقف لابد أن ترصع بها صفحات التاريخ ونتذكرها بالفخر والتقدير.
كان ذلك يوم الجمعة ٢٥ يناير ١٩٥٢، الشباب المصرى يقاوم المحتل البريطانى فى معسكراته فى قناة السويس، وكانت الإسماعيلية بؤرة من بؤر الصراع والبطولة، فكبدوا القوات البريطانية خسائر فادحة جعلها تتخذ موقف أحمق من مواقف الاستعماريين والطغاة!
وزاد من ضيقهم الشديد هجرة العمال المصريين والسودانيين العاملين فى المعسكرات «عشرات الألوف» وكان بطل المهمة فى ذلك الوقت اللواء حسن طلعت ابن فارسكور رئيس مباحث الإسماعيلية.. وكان وقتها ضابطاً صغيراً ضج الاستعماريون وحاصروا مبنى محافظة الإسماعيلية بأكثر من سبعة آلاف جندى مدرعين بالدبابات والمدافع من عيار ٢٥ رطلاً فى مواجهة العشرات من قوات «بلوكات النظام» ببنادقهم البدائية، وطلب منهم فؤاد سراج الدين وزير الداخلية المقاومة، يذكر التاريخ اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام،
ويذكر أيضاً النقيب مصطفى رفعت الذى صاح فى وجه البريجادير إكسلام قائد القوات الإنجليزية: لن تتسلموا منا إلا جثثاً هامدة.. منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى آخر النهار والشهداء من رجال الشرطة الأوفياء يتساقطون حتى نفدت ذخيرتهم! وجاءت الصحف صباح اليوم التالى بسقوط ٦٧ جندياً وضابطاً مصرياً وخسائر الأوغاد ١٣ قتيلاً و١٢ جريحاً.
سيظل التاريخ يذكر هذا الموقف الشجاع لرجال الشرطة المصرية الذين حاربوا وقاوموا حتى تهدمت المحافظة عليهم.. ولهذا احتفلنا بذكراه وقررناه عيداً للشرطة.
أما مسؤول الشرطة فى هذا الزمان فقد قاوم المتظاهرين المصريين بالقسوة والقوة المفرطة واسترخص الضحايا الأبرياء، ويا ليته وقف عن هذا بل كان موقفه الغريب بصرف رجال الشرطة أو قل جيش الشرطة وترك شوارعنا وبيوتنا وأموالنا منهباً للبلطجية واللصوص وعتاة الإجرام وفر من الميدان بسبب غير مفهوم.
قارنوا بين زمن أحمد رائف ومصطفى رفعت وحسن طلعت وبين زمن حبيب العادلى.
لن نستطيع أن نحتفل به بعد اليوم عيداً للشرطة، فقد دمر هذا الرجل معناه ومبناه، ولكنه -مع ذلك - سيكون عيداً مهماً لشعبنا.. سيكون عيد الحرية.
حقاً إن الزمن يتغير برجاله وقيمه وأهدافه وأخلاقياته!.. وفى كل الأحوال فإن التاريخ شاهد يدون فى سفر الخلود!.. ولا مفر!