ها هى ثورة ٢٥ يناير التى قام بها الشعب المصرى العظيم وانبهر بها العالم توشك على الانتصار ودحر قوى الاستبداد والفساد والخراب التى بدأت فى التشكل والاستيلاء على الوطن منذ حوالى أربعة عقود، وبالتحديد عقب آخر عمل عظيم قام به أبناء الشعب المصرى فى جيشه الباسل، وأبهر العالم أيضاً وهو معركة العبور العظيم فى أكتوبر ١٩٧٣.
لقد تمت سرقة مُكتسبات وإنجازات وحقوق هذا الشعب العريق التى تحققت فى أكتوبر المجيد، بعد أن دفع فى سبيل الحصول عليها من دم أبنائه وعرقهم وجهدهم ما لا يمكن حسابه أو تصوره.. تمت السرقة والاستيلاء على الوطن بعد أن تحالفت عليه بكل الطرق الخبيثة والقذرة قوى الشر والطغيان فى الداخل بمعاونة ومُباركة أمثالهم فى الخارج، ليجد الشعب المصرى نفسه بعد أربعة عقود من هذا العمل العسكرى الجبار أنه قد أصبح أسير نظام مُستبد فاسد أخذ ينخر كالسوس فى جسد الوطن ويهوى به إلى قاع الأمم، بعد أن أضاع كرامة أبنائه وأذلهم ونشر بينهم الخوف والقهر والفقر والإحباط.
كانت أداة ذلك النظام الأساسية فى ذلك جهاز أمن باطشاً فاسداً، أخذ يكبر وينتشر كالسرطان الفتاك، لم تنج من آثاره مؤسسة أو هيئة واحدة فى الدولة، بعد أن أصبحت كلمته هى العليا طالما أن أهل السلطة والثروة قد سلموهم أمر الحفاظ على بقائهم واستمرارهم واستقرارهم على صدور هذا الشعب الصابر، الذى ظنوا أنه قد سلم واستكان بل دخل فى غيبوبة الموت. إن ما حدث لجهاز الأمن الداخلى المصرى بجميع تشكيلاته مساء الجمعة ٢٨/١ لا يمكن مقارنته إلا بشىء واحد هو ما حدث للجيش المصرى فيما سُمى نكسة ٦٧، وهو ما تسببت فيه أيضاً قيادات فاسدة منعدمة الكفاءة..
بل إننى أرى أن نكسة قوات الأمن الداخلى فى ٢٨ يناير أشد وأنكى، فى أنها أظهرت بوضوح لا لبس فيه نوعية الرجال الذين سلم لهم قادة نظام الظلم والاستبداد والفساد مهمة حمايتهم وإرهاب الشعب، والذيت ثبت أن الكتلة الأساسية منهم هم أنفسهم من الفاسدين والمجرمين المحترفين والبلطجية المأجورين، الذين رأيناهم ينطلقون فى الشوارع ليلة هذه الجمعة الحزينة يسرقون وينهبون ويروعون الآمنين بعد أن أطلقوا - بلا قلب ولا ضمير - سراح المسجونين والمجرمين وتركوا لهم الأسلحة، ليُشيعوا جواً ضبابياً لا يرى فيه أحد المسؤولية والحقيقة.
لقد سقط هذا الجهاز الأمنى سقوطاً مُروعاً، ومثلما كانت أولى مهام الدولة عقب نكسة ٦٧ هى إعادة بناء الجيش، وكلف بذلك الخيرة من قادته الذين كان قد تمت تنحيتهم جانباً، فإن من أهم مهام مرحلة ما بعد ثورة الشباب العظيمة هو معالجة آثار نكسة جهاز الأمن فى ٢٨ يناير، وذلك بإعادة بناء هذا الجهاز على أسس جديدة تماماً..
ومثلما تحول جنود الجيش بعد نكسة ٦٧ إلى أفراد من المتعلمين وأصحاب المؤهلات، فإن قيادة وزارة الداخلية الجديدة يجب أن تتجه إلى الحل نفسه عقب نكسة يناير الأمنية، مهما كلفنا ذلك، ولتختف إلى الأبد صورة رجل الأمن الفاسد المرتشى المتعاون مع أصحاب السوابق ومحترفى الإجرام، وليبدأ عصر جديد محترم لهذا الجهاز المهم لأمن الوطن.
لقد تفاءلت خيراً بأن كان أول ما فعله وزير الداخلية الجديد هو عودة شعار «الشرطة فى خدمة الشعب».. وأقول له حسناً فعلت، ولكن القضية أكبر بكثير من مجرد الشعار.. إنها قضية من يؤمنون به وينفذونه، وإعادة البناء تقتضى فتح ملف إعادة هيكلة جميع الأجهزة الأمنية ونوعية العاملين بها وإدارة حوار علمى حديث حولها.
ملحوظة: هل سمعتم عن «ثورة ٢ فبراير بميدان مصطفى محمود»؟! إنه تعبير مُبتكر لفيلسوف «الحزب الوطنى المحروق» د. عبدالمنعم سعيد فى مقاله بأهرام ٥/٢.. أرجوك يا صديقى العزيز، لتتوقف عن الكتابة هذه الأيام، حفاظا على ما تبقى لك من اعتبار، وحفظاً لما بقى فى نفوسنا من قدرة على احتمال البهتان!