مصر كلها تغيرت بعد أحداث ٢٥ يناير إلا مستشارى الرئيس مبارك، حيث جاءت إدارة الأزمة من قبل النظام كما عهدناه خلال السنوات الأخيرة «تسفيهاً للأمر واستعلاء - سوء تقدير للموقف - تأخيراً دائماً فى المواجهة - قرارات لا تتناسب مع حجم الأزمة - تخبطاً إعلامياً وعدم وضوح للرؤية».. نفس أخطاء الأزمات السابقة «حادث العبارة - مباراة مصر والجزائر - حريق مجلسى الشعب والشورى - حوادث الفتنة الطائفية - قطار الصعيد - حادث الحسين.. وغيرها».
أفكر كثيراً فى كيف يرى الرئيس مبارك هذه الأحداث.. وكيف يصورها له مستشاروه؟ هل يقتنع الرئيس بأن الشعب ناكر للجميل، وأن من كانوا ينافقونه بالأمس هم الذين يطالبونه اليوم بالرحيل؟ أم أن هذا الشعب تعرض لعملية خداع كبرى من قبل أطراف داخلية وخارجية أدت إلى ذلك؟
أخشى أن يكون الرئيس يفكر فى ذلك دون أن يواجه نفسه بأخطائه ويتحمل مسؤوليتها، فالرئيس عزل نفسه منذ سنوات عن الشعب.. واكتفى بالتدخل فى أواخر بعض الأزمات لإنهائها «بعد خراب مالطا»، ويتحمل مسؤولية سوء اختيار العديد من القيادات فى مواقع كثيرة وتصميمه على استمرارهم دون أى اعتبار للرأى العام.
من الممكن أن يسأل أحد: لماذا أشغل نفسى بموقف الرئيس؟ وردى أن الخطوات المقبلة لو بقى مبارك ستختلف كثيراً بين الاتجاهين، فلو شعر بأنه أخطأ سيسعى إلى تصحيح المواقف ليختم تاريخه بإنجازات حقيقية، تتذكرها له الأجيال المقبلة التى ستتذكر أخطاءه، ويستطيع وقتها تعويض هذا الشعب عما رآه من ظلم وفساد خلال عهده ويتفاعل مع الرأى العام «على غير عادته»، لإرضاء الشعب، وسيكشف بكل قوة وشفافية عمن ضللوه واغتالوا الشعب.
أما إذا كان مبارك يفكر فى الاتجاه الأول، فسيكون همه الأول هو تلبية مطالب المتظاهرين بما يضمن بقاءه فى السلطة حتى نهاية ولايته فقط دون أى اعتبار لمستقبل مصر، كما أنه لو أتيحت له الفرصة للانتقام لفعل.. وهو ما لا نتمناه.
الاعتراف بالخطأ دائماً هو بداية التصحيح.. وليعلم الرئيس أن شعبه يتحدث عن قيامه بتعيين ١٠ نواب فى الانتخابات الأخيرة، بينما عين حبيب العادلى ٤٩ نائباً من ضباط الشرطة السابقين بصفة «فلاح» بالمخالفة للقانون، بينما قام أحمد عز بتعيين بقية النواب وإقصاء جميع نواب المعارضة والمستقلين.. كما يجب على مبارك أن يصارح نفسه بأنه ارتكب نفس خطأ الرئيس السادات الذى أتاح مساحات كبيرة للجماعات الإسلامية حتى «صفوه» هو وحكمه، بينما قرب مبارك رجال الأعمال ومنحهم مزايا اقتصادية ونفوذاً سياسياً، وكانت النتيجة أنهم السبب الرئيسى فى تصفية حكمه!!