فى اليوم الثانى عشر لثورة الشباب، بدأ الآلاف أمس تنفيذ ما سموه «أسبوع الصمود» فى ميدان التحرير بعد انتهاء مظاهرات «يوم الرحيل» دون أن يترك الرئيس مبارك السلطة. وفى إطار استعداداتهم لاعتصام طويل، قرروا زيادة الحواجز التأمينية فى المداخل الستة المؤدية إلى الميدان، كما وضعوا كميات كبيرة من الحجارة خلف كل حاجز لصد أى هجمات محتملة من مؤيدى بقاء مبارك.
ونصب المعتصمون خياما إضافية ومظلات للوقاية من المطر، لاستقبال محتجين جدد، بعد أن أعلنوا عن مظاهرات مليونية فى البلاد اليوم الأحد وتكرارها يومى الثلاثاء والخميس على أن يكون الجمعة المقبل ذروة أسبوع الصمود.
وشهد الميدان صباح أمس حالة خوف بين المعتصمين من رحيل القوات المسلحة عن الميدان، عندما سمعوا هدير محركات الدبابات والمدرعات، فسارعوا إلى الجلوس حولها وهم يتوسلون إلى رجال الجيش للبقاء فى الساحة، إذ يشكل وجود الجيش حماية فى وجه أنصار مبارك الذين حاولوا مرات عدة اقتحام حواجزهم ورشقوهم بالحجارة وأطلقوا النار فى بعض الأحيان، كما يخشون أن يرفع العسكريون سيارات الشرطة والشاحنات المحترقة التى تغلق الميدان.ولطمأنة المعتصمين أمسك ضابط بمكبر للصوت وقال لهم «أقسم بالله أننا لن نزيل الحواجز أرجوكم تراجعوا».
وأبدى المعتصمون تصميما كبيرا على الاستمرار فى الاعتصام، مبررين ذلك بأن الهدف الأول الذى وضعوه أثناء مظاهرات يوم ٢٥ يناير لم يتحقق بعد، مشيرين إلى أن كل ما تحقق ليس إلا تنازلات جزئية من جانب المسؤولين. وأشاروا إلى أنهم يتخوفون من رد فعل «انتقامى» من جانب مسؤولى النظام الذين تعرضوا لانتقادات من جانبهم خاصة أن الصحافة أظهرت صور المحتجين، الأمر الذى يمكن السلطات الأمنية من التعرض لهم.
محمود الدكتور الشاب الذى يرابط فى الميدان منذ ٣ أيام يرى أنه لا توجد أسباب لمغادرة الميدان، وأن طلبات الشباب التى خرج بسببها يوم ٢٥ يناير لم تلب ويقول «بدائرتى الانتخابية نائب حزب وطنى، منذ ولدت وهو يفوز فى الانتخابات، هل المفروض لما أهل الدائرة يثوروا عليه ويطلبوا خروجه فورا من البرلمان أقول لهم وأنا متأثّر خالص: يا جماعة عيب.. فين الأخلاق.. بابا النائب يا جماعة.. الناس الكويسين ميعملوش كده، السياسة ومصائر البلاد مفيهاش بابا وعمو، حرام عليكم، دلوقتى بقى زى أبونا بعد ما ظلمنا وأذلنا وترك علينا رجاله ينهبوا البلد».
من محمود إلى أسامة الشاب المتدين الذى يرى أن أهم طلبات الميدان وهى تنحى الرئيس مبارك، لم تلب، يقول ما يحدث هو مناورات من النظام اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية مثل فكرة حدوث فوضى فى حالة تنحى الرئيس، وهو حديث غير صحيح، لأننا كما قالوا لنا بلد مؤسسات، وأسألهم، ماذا سيحدث إذا توفى الرئيس؟ هل ستحدث فوضى.. المسؤولون فى كل مكان فى مصر حيسلموا الأمور لعمر سليمان، متخافوش، وزير الرى مش حياخد النيل ويرفض يسلمه. عمر سعيد يقول، سنظل فى الميدان حتى يتم تنفيذ مطالبنا، وبالنسبة لى أرى أن الدولة تحاور وتناور وترفض تنفيذ المطالب، وعندما كانوا يطالبوننا بالثقة فيهم، كان البلطجية يضربوننى، فكيف أثق فيهم، قوتنا فى الميدان، ولو تركناه لن ينفذوا أى شىء من مطالبنا، هذه هى الحقيقة الواضحة للجميع هنا.
ترى أميرة أحمد أن الحرب الإعلامية التى تنفذها القنوات الحكومية أو القنوات المحسوبة على الحكومة، أحد أهم الأسباب لكى تظل بالميدان، لأنها لم «تعطنا الثقة فى تقبل النظام لمطالبنا، ولكنها تتهمنا بالعمالة والخيانة، وهذا ما أعتبره بداية فقط، فكيف نعطى ثقة لمن يتهمنا كل يوم بالعمالة، وأننا أصحاب أجندات».
تقول «منى» طالبة جامعة الأزهر إن «غياب الأمن فى الشوارع» هو ورقة ضغط من النظام يحاربنا بها، ويثير بها المصريين فى المنازل ضدنا، وهذا يعنى ببساطة أن النظام مازال يحاربنا، ولن ينفذ مطالبنا لو رحلنا من الميدان، ولا أفهم لماذا لما لا تعيد بلد المؤسسات الحياة لمصر كلها وتتركنا فى ميدان التحرير نتظاهر كحق كفله لنا الدستور.
يقول أحمد فضل ببساطة شاب غير مسيس، لم يشترك فى مظاهرات طوال حياته قبل ٢٥ يناير: كل يوم بسبب الناس اللى فى ميدان التحرير النظام الفاسد بيقدم تنازلات ويحاول يسحب ناعم ويعتذر ويقولك حنحاكم ويصادروا أموال ويعتقلوا رجال، بح صوتنا كى يعتقلوهم قبل ذلك، كل هذا بسبب الضغط عليهم شعبيا ودوليا لعدم تنفيذ مطالب اللى فى ميدان التحرير، الناس اللى بتقعد تشتمهم وتتهمهم بالخيانة والعمالة. ويكمل صديقه «محمد عبدالوهاب» ويقول مبتسما ببساطة وهو يتحسس جرحا فى وجهه «الموضوع أبسط من كده، إحنا عايزين حرية.. والحرية غالية».
محدش قال إن الحرية مش غالية ومش مقابل دماء كمان، فيه ناس تعبت نفسيا وماديا وعصبيا، وبيقولوا كله بسبب المظاهرات اللى من طرف واحد فما بالك بمظاهرات من الطرفين، المظاهرات اللى تعبتكوا دى هى اللى جابتلكم كل المكاسب اللى اتحققت، واللى كان فيه قطاع كبير من الناس اللى تعبانة دلوقتى دى ضدها فى البداية وبيهاجموها بكل شراسة وخوف وجبن أحياناً، انتوا تعبتوا نفسيا من ١٠ أيام، والناس فى التحرير بتموت وبتتهاجم وبتصاب وبترجع تانى تدافع عن نفسها وعن حقها فى تنفيذ مطالبها، فيه ناس لو روحت بيوتها أكيد تانى يوم حيتم ملاحقتها واعتقالها، لو تعبت افتكر إنك أصلا كنت تعبان، اتعب شوية كمان عشان تعيش عيشة محترمة.
وقال أحمد إسماعيل إنهم يتخوفون من حملة انتقامية شديدة من جانب أجهزة الأمن والنظام فى حالة استمراره أو استمرار سياساته، خاصة أنه يتردد أن أجهزة الأمن قامت بتصوير جميع المظاهرات تمهيدا لحملة اعتقالات تطال كل من شارك فى المظاهرات بعد هدوء الأوضاع. وأضاف: نسمع حاليا عن اعتقال العديد من النشطاء، وعن وجود أجهزة تابعة للشرطة تقوم بالقبض على الناشطين البارزين، وما يزيد من قناعتنا أن البلطجية وعناصر الأمن التى نضبطها تعنى لنا أن الشرطة مازالت لديها خطط منظمة للتعامل مع الاحتجاجات.
ورفع عمر السويفى لافتة كتب عليها «لم آخذ دولارات أو وجبات»، مشيرا إلى أن تركيز الإعلام على تشويه صورة الانتفاضة التى قام بها المصريون وأنهم مجرد عملاء للخارج، أكد له أن النظام ليس جادا فى عملية الإصلاح مما جعله أكثر إصرارا على مواصلة الاعتصام بميدان التحرير. وبحدة بالغة صرخت ريم إسلام «ودم الشهداء فى رقبة مين» وأخذت تصيح فى المحيطين «ما حدش يمشى إلا لما ناخد حق الناس اللى ماتت»، وأضافت: «لابد أن تستكمل مسيرة الشباب فى المطالبة بالحرية وبناء دولة قوية واقتصاد قوى».
وأكد أيمن محمود أنه لا يمكن الوثوق فى النظام بعدما حدث فى ميدان التحرير من هجوم من البلطجية، مشيرا إلى أن التصريحات الرسمية حول عدم قدرة المسؤولين على الجزم بما إذا كان البلطجية الذين اقتحموا ميدان التحرير يوم الأربعاء الماضى بالسيوف وعلى ظهر الخيول منظمين أم عفويين، مشيرا إلى أن ما يحدث يدل على استمرار الرغبة الحكومية فى «الضحك» على الشعب.
ويرى محمد سعيد أن الإعلام الحكومى يدل على أن النظام لم يتغير، مشيرا إلى الاتهامات «السخيفة» التى توجه للمتظاهرين من نوعية أنهم عملاء وأنهم يتلقون آلاف الدولارات، وأضاف «ألم يكن من الأسهل على الجهة التى تمنح الشباب آلاف الدولارات أن تحارب مصر لتخريبها»، متسائلا عن كيفية حشد مليونى مواطن فى ميدان التحرير بواسطة النقود.
فى المقابل، يؤكد أحمد عبدالله أن الشباب المصرى حقق ما لم يكن أحد يحلم به، مضيفا أنهم عرفوا طريق التحرير، وأنهم يمكنهم أن يعودوا إليه متى تبين أن المسؤولين غير صادقى العزم على تنفيذ وعودهم، وناشد الشباب أن يوازنوا بين الرغبة فى تنفيذ مطالبهم وبين ضرورة استقرار الوطن.
وشدد هانى ماهر على أنه كان قد عقد العزم على العودة لمنزله يوم الثلاثاء الماضى بعد «المظاهرة المليونية»، إلا أن الاعتداءات التى حدثت يوم الأربعاء استفزته وأجبرته على النزول مجددا للتأكيد على أن ما فشلت فيه قوات الأمن من قمع للمتظاهرين لن تنجح فيه باستخدام بلطجية الحزب الوطنى، مشددا أنه يعلم تماما أن نواب الوطنى هم من حرك البلطجية دون علم «الكبار» إلا أن النظام هو من خلق هذا الحزب بكل ما يستخدمه من بلطجة وقسوة ورشاوى.
وشهد الميدان أمس توافد العديد من المثقفين والفنانين والسياسيين من المعارضة والذين شاركوا الشباب المصرى تظاهرهم، مؤكدين على عدالة مطالب المعتصمين. وحيا الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستورى الشباب، قائلا: أنتم من غيرتم مصر ومن أعطاها الأمل الذى كنا نبحث عنه طوال سنوات مضت، فأنتم من أعدتم لها الحياة والشباب. وطالبهم بالصمود حتى تتحقق المطالب. وألقى الدكتور علاء الأسوانى، الروائى الكبير، كلمته الثانية منذ بداية الاعتصام فى ميدان التحرير مشيدا بنجاح المتظاهرين فى تحقيق النصر فى الثورة التى قادوها منذ ٢٥ يناير، مضيفا: نجحتم فى مواجهة كل أشكال العنف الذى لا يتحمله بشر ونجحتم فى الصمود أمام الداخلية بكل أجهزتها.
وقال حمدين صباحى إن شعب مصر انتصر على الظلم والاستبداد والفساد، مضيفا: لابد أن نشعر بالفخر والانتماء لهذا الوطن الكبير الذى جاء لنا بهذا الشباب القادر على إجلاء أى استعمار داخلى أو خارجى. وخاطب المتظاهرين قائلا: نحن فى حاجة إلى أن تكون لدينا خطة نتحرك من خلالها كمثقفين وسياسيين يشارك الجميع خلالها فى وضع جميع المطالب التى نريدها كشعب، ووجه صباحى تحية للقوات المسلحة وجيش مصر الذى وصفه أيضا بالعظيم.