قطع الشهيد محمد السعيد ياسين، خريج كلية العلوم، مسافة طويلة من محافظة القليوبية التى يعيش بها للوصول إلى ميدان التحرير للمشاركة فى المظاهرات، لم يكن الشهيد ناشطا سياسياً، لكنه كان واحدا من آلاف الشباب الذين فشلوا فى الحصول على فرص عمل مناسبة بسبب «الوساطة» والمجاملات، فرغم تفوقه الدراسى، والعلمى، والكيميائى إلا أن الوساطة حرمته من التعيين والتثبيت فى العيادة الطبية بمجلس الشعب على الرغم من أن الجميع يشهد له بالكفاءة، خلال ٣ سنوات هى مدة عمله فى المكان، وتم تعيين آخرين بـ«الواسطة».
لم يشارك الشهيد فى مظاهرات الثلاثاء ٢٥ يناير، أو مظاهرات جمعة الغضب، ولم يكن ينوى النزول إلى الشارع نهائياً، ولكنه أثناء جلوسه فى منزله بالقليوبية، بعدما قرر الاكتفاء بمتابعة الأحداث من خلال القنوات الفضائية، فوجئ بخطاب الرئيس الأول، الذى قال فيه إنه من قاد الحرب والسلام وإنه طلب من الحكومة الاستقالة وإنه سيظل فى الحكم، لم يشعر الشهيد بنفسه.
انفجرت بداخله ثورة عامرة، أخذ يصرخ بأعلى صوت وهو يبكى ويهتف ضد الرئيس، مرت دقائق ليقرر بعدها النزول والاشتراك فى المظاهرات، بعدما شعر بأن الرئيس لم يتفهم مطالب شعبه، وبعد أن قطع المسافة من منزله إلى ميدان التحرير، قرر أن يكون واحدا من هؤلاء الشباب الذين قرروا التظاهر أمام وزارة الداخلية، وبمجرد وصوله إلى مقرها، اخترقت رأسه رصاصة، لتنتهى حياته فى الحال.
خرج محمد من منزله وحده، اكتفى بقبلة لابنته الرضيعة وزوجته ووالدته، أخبرهم بأنه لو أراد الله أن يموت سيموت على سرير، وأنه يفضل أن «يموت شهيدا»، وخرج إلى الميدان، والحماس يشعل قلبه ليلتحم مع المتظاهرين ويهتف بأعلى صوت «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل.. ارحل»، وصل إلى المكان ووقف ساعتين يهتف ويصرخ ويقفز فى الهواء ثم قرر الانتقال إلى وزارة الداخلية والتظاهر أمامها لتخترق رأسه رصاصة تنهى حياته فى الحال.
رحل محمد فى أول مظاهرة يشترك فيها فى حياته، لم يكن ناشطا سياسيا - والكلام على لسان زوجته - ولكنه تخرج فى كلية العلوم وطاله الظلم فى عمله بسبب الوساطة، على الرغم من تفوقه الدراسى والعلمى والكيميائى، إلا أن الوساطة حرمته من التعيين فى العيادة الطبية بمجلس الشعب رغم كفاءته وعمله لأكثر من ٣ سنوات وتعيين آخرين اقل منه كفاءة بسبب الوساطة.
وتضيف: «استشهد محمد وترك رسالة ماجستير سهر ليالى لتحضيرها ليرحل قبل موعد مناقشتها بـ٣ شهور، استشهد وترك رضيعة لم يسمع منها كلمة (بابا)، التى كان يتمنى سماعها، رحل محمد وتركنى بعد زواجى منه منذ عامين».
وقالت: «أنا فخورة بزوجى الذى استشهد فى المظاهرات، بعد أن قتله ضباط الداخلية، لمطالبته بإسقاط النظام، دموعى لن تتوقف على زوجى الشهيد، الذى ارتبطت به بعد قصة حب طويلة استمرت ٤ سنوات، كنت دائما أشجعه فى عمله الذى يحبه منذ صغره.
كلما أصيب بإحباط بسبب الظلم الذى يتعرض له فى العمل، أطلب منه الصبر وأقول له إن الخير قادم، وكان حديثنا لا ينقطع عن حال البلد وظروفها السيئة والفساد المنتشر بها، كان يرغب فى الاشتراك فى مظاهرات الثلاثاء والجمعة ولكنى طلبت منه عدم النزول خوفا عليه وبالفعل استجاب لطلبى، قضينا يوم الجمعة نتابع التفاصيل، ونطلق الهتافات من منزلنا «حرية.. حرية».. حتى ألقى الرئيس مبارك كلمته الأولى وأكد أنه أقال الحكومة ولكنه باق فى الحكم، وقتها انهار محمد وظل يبكى لأكثر من ربع ساعة، ثم قرر الخروج إلى الشارع للاشتراك فى المظاهرات، حاولت منعه ولكنه رفض،
وقال لى (من الأفضل أن أموت شهيدا)، وقتها تركته وأنا أشعر بأن مكروها سيحدث له، وقفت أتابع خطواته السريعة من شرفة المنزل وأرسل له التحية وأنا أحمل رضيعتنا (رغد)، وأنا لا أعلم أنها المرة الأخيرة الذى سأراه فيها، لم أستطع النوم حتى جاء خبر فى اليوم التالى أنه توفى برصاصة فى رأسه من أحد قناصى وزارة الداخلية، استشهد محمد وتركنى وحيدة فى بلد انتشر فيه الفساد، لن أترك حقه وسأقاضى وزير الداخلية وسأتهم قناصى الوزارة بالقتل العمد».