هذه لحظات تتطهر فيها الأمة بدماء أبنائها.. تتطهر فيها الأمة من آثامها.. آثام السكوت الطويل على الظلم، والركون المزمن إلى كنف الطغاة، والقبول المهين باجترائهم على حرمات وكرامات بنى البشر.. أولئك الذين كرمهم الله على خلقه بأن أعطاهم العقل والحرية والإرادة، فأهانهم حكامهم بأن لوثوا منهم العقل وحرموهم الحرية وانتزعوا منهم الإرادة.
هذه لحظات تغتسل فيها الأمة من أدرانها وآثامها.. أدرك أن القبول بقوانين آثمة وواقع مرير.. تتخلص فيها الأمة من أولئك الجاثمين على صدور وعقول وأنفاس الناس، المحاصرين لكل محاولات التغيير والمقاومين لكل محاولات الخلاص، والباطشين بكل إرهاصات البحث عن غد أفضل.. أولئك الجاثمين على صدور الناس، حتى كادت أرواحهم أن تزهق والمحاصرين لمطالع الشمس حتى كاد الناس أن ييأسوا من طلوع النهار.
هذه لحظات تغتسل فيها الأمة بدماء أبنائها الطاهرة.. تبذلها بكبرياء ورضا وكرامة.. تبذلها وفى العين دموع ألم، وفى القلب ابتهال إلى الله أن يرضى ويغفر يرضى عن أمته التى غفلت طويلاً من أجل كرامة أعطاها الله لها، وأن يغفر لها سكوتاً طويلاً عن ظلم أمرت بألا ترضاه.
هذه لحظات تقدم فيها الأمة أغلى ما عندها.. لكى تجنى أغلى ما تصبو إليه.. الحرية للإنسان، والكرامة لبنى البشر.. لحظات تخرج فيها الأمة غير هيابة ولا وجلة، سيوفها سواعد أبنائها ودروعها أجسادهم، قوية بصوت هادر يصم آذان الباطل.. إن الله لا يرضى بظلم الإنسان للإنسان، وأن الباطل إلى زوال، وأن دولة الحق إلى قيام الساعة.
هذه لحظات يتوقف عندها التاريخ.. ويتأنى عندها الزمن.. وتتمهل عندها شمس النهار لكى تلقى إليها ببريق ونور.. لحظات يسجل التاريخ فيها أن بداية النهاية أتت.. إنها لحظة فارقة سوف تأتى.. ينهار الباطل فيها ويذوى.. ويسقط راكعاً أمام إرادة الأمة.. لأنها من إرادة الله.. الله أكبر.. وهنيئاً لمصر بشبابها فقد أعطوا العبرة والعظة والقدوة الحية لكل المظلومين والمقهورين فى الأرض.