«سارة» طالبة فى الصف الخامس الابتدائى بمدرسة تحمل اسم «سوزان مبارك»، ورغم ذلك أصرت على الخروج فى مظاهرات يوم الأحد فى ميدان التحرير، تجلس على كتف والدها وتمسك فى يدها علم مصر، وتردد هتافات لحمل الرئيس على الرحيل، وتنادى فى هتافاتها بكلمات تعبر عن الهم والغم الذى أصاب الشارع على مدار ٣٠ عاماً، وهى بعد لم تكمل عامها الحادى عشر.
نجحت سارة فى أن تلفت بصوتها الصغير الضعيف أنظار الحشود فى ميدان التحرير فأخذوها إلى أحد أماكن التجمع ومنحوها ميكروفوناً أخذت تردد فيه هتافاتها والناس من ورائها.
«أ» إرحل.. «ب» بسرعة.. «ت» تكسب.. «ح» حرية.. «ج» جيم أوفر، هكذا خرج هتاف سارة وردده وراءها المتظاهرون، سألتها عن سبب خروجها المظاهرات فى ذلك اليوم، فأجابت: السبب هو صور الشهداء الذين ماتوا فى المظاهرات وضحوا بحياتهم.
أضافت: «عايزة أقول للريس مبارك كفاية كده، إحنا تعبنا والناس تعبت والهم ملانا»، تتعجب وأنت تستمع لكلمات سارة عن هذا الإحساس بالهم الذى تتحدث عنه طفلة لا تتجاوز الحادية عشرة، ولكنها تجيب عليه بالقول: «بابا بيشقى ويتعب عشان يوفر لينا مصاريفنا وكل أقاربنا كده. الكل شايل الهم. لحد إمتى؟» لا أجد إجابة لتساؤل سارة، فأسألها قبل أن تبتعد عنى وسط الزحام، ماذا تريدين لمصر يا سارة؟ فتجيب ببراءة: «حرية».
تبتعد سارة وسط الحشود التى تأخذها بعيدا فى التحرير لتهتف بينهم، ألاحظ وجود الأستاذ شريف الشوباشى أقترب منه لمعرفة أسباب مجيئه فيجيب بعفوية: «نشارك الناس لحد إمتى حنفضل ساكتين فى البيت». يباعد بيننا الزحام ونسمع فى السماء صوت مروحية تابعة للجيش تمر وتلقى على الناس عشرات الأوراق الملونة تمتد لها الأيدى لنكتشف أنها أعلام مصر ألقتها طائرة القوات المسلحة، تفهم الناس الإشارة فتحيى الطائرة التى سرعان ما تمر فوق الرؤوس التى أمسكت بالأعلام وظلت تلوح بها لمجموعة من الشباب الذين أخذوا يرقصون ويصفقون على نغمات أغنية «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى أستشهد تحتك وتعيشى إنت». بين الواقفين كان الشاعر سامح القدوسى قال لى: «ما أجمل هذا الشعب، نعم لم نكن نحن من قام بالثورة ولا جيلنا، ولكننا كنا الجيل الذى دق على عقول هؤلاء الشباب. فأهلاً بحرية الوطن».