الحقيقة أن الأحداث فى ثورة الشعب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ تمر أسرع بكثير من رتم التليفزيون المصرى، فالثورة المصرية بدأت بالشباب.. أعدوا لها، وفعلوها من خلال أدواتهم التكنولوجية، وسرعان ما تحولت إلى ثورة شعبية من أكبر الثورات الشعبية فى التاريخ .. و«بكوات» التليفزيون المصرى مازالوا يقفون عند الشباب فقط.. نعم الشباب، عندما ينتفض، هكذا يكون قد وصل إلى درجة كبيرة من الوعى، وبذلك يصبح عماد شعبه بل أمته، ولكن.. مَن الذين وصلت أنَّاتهم وصرخاتهم لهؤلاء الشباب؟!! نتيجة الطغيان والظلم وتنفيذ الأجندات الصهيونية التى حرمت الشعب المصرى من ثروات بلاده، واعتدت على جميع حقوقه وكرامته وحريته فى التعبير، حتى أكلت الأخضر واليابس قلة لا تعدو واحداً فى الألف من هذا الشعب..
وكانت هذه القلة دائمة السعى بطغيانها ونفوذها لتحقيق مصالحها الشخصية، من خلال تغاضيها عن حقوق هذا الشعب، محقّرة قدراته على الانتفاض والثورة فى يوم من الأيام - ولطالما نبهت على مدار سنين طوال - بما يعنى لا تستهينوا بالشعب المصرى - لأنه إن احتقن إلى الذروة سيقوم ولن يقعد بعدها أبدا إلا بخلع براثن الفساد والاستبداد من جذوره -ولطالما قلت - قلت (عندما تصبح المادة محور الحياة.. تنعدم إلى جوارها كل القيم) ولكن من قيمهم متوطدة بداخلهم ويعيشون قابضين على الجمر مقهورين ومكممين بأيدى أصحاب الأجندة الصهيونية - حتى لا تصل أناتهم وقيمهم المزدحمة بها، رسالتهم الساعية لعالم أفضل تسوده الحرية والإنسانية والعدل.. كانت تكفى ثلاثون عاما لوصول صرخاتهم وأناتهم وإبداعهم الحقيقى الداعم للإنسانية كلها لهذا الشعب حتى يتحرر من المهانة والذل والتهميش..
وكان فى مقدمة هؤلاء النفوذيين الذين أودوا ببلدنا العظيم مصر إلى هذه الحال هو حبيب العادلى، وزير الداخلية السابق، بأجهزة تنصته وقبضته الحديدية الظالمة على أفواه أصحاب الرسالات الأخلاقية والإبداع الحقيقى، الذى كان من المحتم إذا وصل تدرجا إلى المسؤولين والناس، سيغير حتما إلى ما فيه صالح مصر وشعبها وأمتها، لكن حبيب العادلى كان يحمل أجندة خاصة اتضحت معالمها عيانا بيانا الآن على الشاشات وفى الشارع المصرى، بعربات الشرطة التى تدهس المصريين فى الشارع، والمسجلين خطر وبلطجية الداخلية والشرطة السرية الذين ركبوا الجمال والبغال والخيول، حاملين السلاح الأبيض وأعيرة النيران الحية والمطاطة والمولوتوف - فى مشهد كوميديا سوداء، وكأننا رجعنا للعصور الوسطى - اعتداءً بكل ذلك على ثلاثة ملايين كنت بينهم، هم من خيرة شباب مصر ونسائها ورجالها.. أطباء ومهندسين وقضاة، وعلماء أزهر كراماً وطلاب جامعات، وعامة نساءً ورجالاً.. أوفياء لبلادهم شرفاء.. وقفنا دروعاً بشرية عزلاً لا نملك سوى إرادتنا وأصواتنا وأقلامنا وشعاراتنا..
سقط أمامى منهم من استشهد ومن أصيب بعاهة دائمة، ومَن كسرت ذراعه ومن أصيب إصابات خفيفة وهم كثر.. إلى أكثر من تسع مائة شهيد وآلاف الجرحى منذ بداية ثورة ٢٥ يناير وحتى الآن.. والآن تخرج أفواه تافهة ضحلة على شاشات التليفزيون المصرى، الذى يضلل الحقائق، الآن بعد أن وصلت رسالاتنا إلى الناس بفضل الله وكفاحنا لثلاثين عاما أننا سنصدق أنهم يدافعون عن مصر.. أقول لهم إن الشهيد خالد سعيد وغيره من الشهداء.. شيوخاً وشباباً.. نساء ورجالاً ذهبوا إلى جنة الخلد وسيخلدهم التاريخ والناس، ودمهم فى رقبتكم وطغيان سلطتكم وبلطجية شرطتكم الخائنة والغاشمة.. فاصمتوا أفضل ولا تستهينوا بعقول شعب مصر العظيم.