تعتمد بعض المجتمعات فى مصر على القضاء العرفى خاصة البدو والأرياف والصعيد، وتعتبره جزءاً من تراثها وتاريخها، ويحسم هذا القضاء العديد من القضايا الشائكة والحساسة دون اللجوء للقضاء الرسمى، ويحظى القضاة العرفيون بحب واحترام مجتمعاتهم، من هنا تأتى أهمية كتاب «القضاء العرفى فى شبه جزيرة سيناء» للقاضى العرفى يحيى محمد الغول، الصادر عن المكتب العربى للمعارف ويتضمن دراسة بحثية استقصائية لكيفية تعامل بدو وأهالى سيناء مع القضايا المختلفة التى يحسمها القضاء العرفى، فهو النظام القانونى السائد والأكثر ملاءمة لطبيعة المجتمع السيناوى الصحراوى، ويتضمن الكتاب ما يزيد على ٤٠ فصلا بين وصف القضاء العرفى والتعريف بتاريخه ومن يحق له أن يكون قاضيا، وكيفية تعامل القاضى مع القضايا المختلفة سواء المدنية أو الجنائية والإجراءات التى يتم اتخاذها حيال القضايا الكبرى، واستعانة القاضى فى بعض الأوقات ببعض من عشيرته لفرض النظام على مجلس القضاء والتزام الهدوء ومنع أى طرف من المتقاضين من التعدى على الطرف الآخر، وينقل المؤلف وهو قاض عرفى بالعريش، خبرته الكاملة فى هذا الكتاب مستشهدا بعدد من القضايا المهمة، سواء العادية أو الجنائية، مفرقا بين درجات القضاء بحسب الجرم، ويوضح الكتاب القيمة الكبيرة التى يمثلها القضاء العرفى كجزء من تراث أهل سيناء، وأن هذا القضاء كان وسيظل أحد أركان الأمن والأمان، لكونه قادراً على التعامل مع القضايا المستحدثة تحت مظلة الشرع ثم العرف الإسلامى.
ويشرح المؤلف شكل مجلس القضاء العرفى قائلا: «لهذا المجلس من الهيبة والاحترام والتقدير ما يجعل طرفى النزاع والحضور، منتبهين ويقظين لكل ما يحدث، بدءا من استقبال القاضى للحضور، ثم تقديم القهوة ليبدأ بعد ذلك إجراءات التقاضى، حيث يكون مجلس القاضى شخصيا فى صدر الجلسة، ليرى بعينه جميع الحضور، مستمعا لكل كلمة تصدر.. فيبدأ الجلسة بقراءة الفاتحة ثم يطلب من الطرفين تسمية الكفلاء، ويبدأ فى الاستماع، محذرا من عدم المقاطعة، ليبدأ فى دراسة النزاع المطروح عليه، حسب نوع هذا النزاع، سواء كان من القضايا المدنية أو الجنائية، وتكون الجلسات فى أغلبها بعد صلاة العصر.