هنا ميدان التحرير.. حيث يرتفع علم مصر فى كل مرة، إما احتفالا بنصر، أو تظاهر وسخط، إذ تخرج النداهة التى ينطلق صوتها فى جوف الليل لتجتذب الحالمين، وتأمرهم بالتوجه إليه، ولا يحلو فرح أو يزيد حزن إلا مروراً به.
فى هذا الميدان، تجمع المصريون من كل أرجاءها، مصر الجديدة وشارع جامعة الدول العربية وإمبابة وبولاق والسيدة زينب، للاحتفال بكأس الأمم الأفريقية، وتجمعوا أيضا للإعلان عن غضبهم من أحوال اجتماعية واقتصادية ومادية متمثلة فى انتشار الفقر وتزايد معدلات البطالة، وارتفاع الأسعار، مرددين هتافات تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد، ورفع الأجور، وإجراء إصلاحات سياسية، وتعديل الدستور، وحل مجلس الشعب.
لم يحظ الميدان بهذه الأهمية من فراغ، فهو أكبر ميادين القاهرة، سمى فى بداية إنشائه بـ«ميدان الإسماعيلية»، نسبة للخديو إسماعيل، ثم تغير الاسم فى الخمسينيات إلى اسمه الحالى «ميدان التحرير»، حيث. يحاكى فى تصميمه ميدان شارل ديجول الذى يضم قوس النصر فى باريس، وتعود أهميته إلى أنه يمثل قلب القاهرة ومدخلها الرئيسى، حيث يتصل هذا الميدان بعدة محاور مهمة مثل شوارع رمسيس، وطلعت حرب، والجلاء، وقصر العينى، ويمتد إلى كل من ميدان باب اللوق، وميدان عابدين، وحى جاردن سيتى.
لم تفرق فرحة الكأس بين أهلاوى وزملكاوى أو إسماعيلاوى، وحين خرجوا فى مظاهرات يوم الغضب اندمجوا جميعا فى نسيج واحد ، فهذا وفدى وذاك إخوانى وآخر ناصرى، وهؤلاء جاءوا رغم أنهم لا ينتمون لأى من القوى السياسية، فالكل هنا مصريون.
هنا على أرض هذا الميدان أشعلوا الشماريخ النارية بعد أن أحرز «جدو» هدف الفوز على منتخب غانا وملأت الفرحة قلوبهم وأحاطهم الأمن لتأمين احتفالاتهم حتى الصباح، وهنا طاردتهم سيارات الأمن المدرعة، وصوبت نحوهم ٥٠ قنبلة مسيلة للدموع فى يوم ٢٥ يناير، وحاصرهم ٣ آلاف من قوات مكافحة الشغب و١٠ آلاف جندى مركزى ليمنعوهم من تنفيذ قرارهم بالاعتصام حتى الصباح.