■ أخيرا، عاد مانويل جوزيه إلى مصر.. وفى مطار القاهرة مساء أمس الأول.. كان زحام جمهور الأهلى وصخبه وضجيجه ولافتاته فى انتظار البرتغالى الشهير القادم من بلاده لقيادة فريق الأهلى وانتشاله من عثرته وأزمته الأخيرة.. مشهد الاستقبال فى حد ذاته كان كافيا جدا للتأكيد على أن هناك حالة حب حقيقية تجمع جمهور الأهلى، فى معظمه، بمانويل جوزيه.. المدرب القدير الذى لم ينجح إلا مع الأهلى.. ولم ينجح الأهلى مع مدرب غيره كل هذا النجاح الحقيقى منذ سنين كثيرة.. وأظن أن كل عشاق الأهلى الذين كانوا فى المطار أو جلسوا يتابعون مشهد الوصول على شاشات التليفزيون أو واصلوا الحديث عن الرجل فى جلساتهم العامة والخاصة.. باتوا جميعهم يراهنون على مانويل جوزيه ليعود معه وبه الأهلى إلى سابق تألقه وانتصاراته وأفراحه التى كانت..
لكن لم ينتبه كثيرون إلى أن اللغة ليست واحدة أو مشتركة بين الجمهور الأهلاوى والساحر البرتغالى.. الجمهور يتحدث بصوت عالٍ عن عودة جوزيه وعودة الروح.. ومن ثَمّ أصبح فى انتظار تكرار الانتصارات القديمة الجميلة فى أول مباراة رسمية مقبلة سيلعبها الأهلى بقيادة مانويل جوزيه.. أما جوزيه نفسه، فلم يخدع أحدا وإنما تحدث عن إعادة بناء ستستغرق بقية هذا الموسم على الأقل، بل أكد مانويل بالنص أنه تحرر تماما من أى ضغوط وهو يعبد بناء فريق الأهلى.. فهو ليس مطالبا بشىء.. دورى أو كأس أو بطولة أفريقية.. وعلى الرغم من ذلك..
فليس هذا هو أهم ما يقال الآن عن جوزيه وعودته إلى الأهلى.. فهناك أمور أخرى باتت تستدعى التوقف والانتباه والاهتمام.. فهناك على سبيل المثال من يكرهون جوزيه وسارعوا بإعلان الحرب عليه، حتى قبل أن يأتى إلى القاهرة.. حرب قادت هؤلاء إلى تجريد الرجل من كل فضائله ومزاياه.. سرقوا منه موهبته ونجاحاته وأكدوا أنه عاجز عن أى شىء ولاعبو الأهلى وحدهم هم الذين قاموا بكل شىء..
وهذا ليس صحيحا على الإطلاق.. فجوزيه مدرب قدير بالفعل.. له شخصيته ورؤيته ونجاحاته الحقيقية والمؤكدة.. ولو طبقنا قوانين هؤلاء الرافضين جوزيه والمشككين فى نجاحاته السابقة مع الأهلى على بقية مدربى العالم.. فسنكتشف بسرعة أنه لن يبقى لدينا أى مدرب يستحق الاحترام والتقدير.. فجوزيه مورينيو مع إنتر ميلان ثم ريال مدريد أو جوارديولا مع برشلونة أو أليكس فيرجسون مع مانشيستر يونايتد أو ديل بوسكى مدرب الإسبان، أبطال العالم، كانوا كلهم يملكون فى فرقهم نجوما كبارا قادرين على صنع الانتصارات ودوامها..
ولكن وجود النجوم والموهوبين فى أى فريق لا ينفى الحاجة الدائمة لمدرب ينجح فى توظيف كل ذلك لمصلحة فريقه.. أما عدم نجاح جوزيه بالشكل الكافى واللائق أو حتى عدم نجاحه على الإطلاق سواء فى البرتغال أو أنجولا أو السعودية.. فهذا واقع تعيشه ملاعب الكرة طوال الوقت وفى مختلف بلدان العالم..
فهناك الكيمياء الخاصة بين المدرب والنادى أو المنتخب، والتى لابد منها ليتحقق النجاح، أو يؤدى غيابها إلى الفشل.. جوزيه مورينيو، المدرب الأفضل والأشهر فى العالم، قد لا ينجح هذا الموسم مع ريال رغم سابق نجاحاته مع ميلان أو تشيلسى.. والقدير أليكس فيرجسون قد يتحول إلى مدرب درجة ثالثة لو غادر مانشيستر يونايتد إلى أى ناد آخر.. أى أنه من الممكن.. ومن الطبيعى جدا والمنطقى أيضا.. أن ينجح جوزيه مع الأهلى ولا ينجح النجاح نفسه مع ناد أو منتخب آخر..
وهنا يأتى اعتراضى الشخصى على بعض جوانب تعاقد الأهلى مع جوزيه.. فالمسؤولون فى الأهلى يعرفون ويعرف جوزيه أيضا أن الطرفين يحتاج كل منهما للآخر.. الحسابات واضحة والمصالح المتبادلة ظاهرة ومكشوفة.. لكن يبدو أن مسؤولى الأهلى فاتهم إدراك ذلك وهم يواصلون رحلة التفاوض مع جوزيه.. تفاوضوا بمنطق المحتاج والمأزوم والمهزوم فقط دون أن يتذكروا أن جوزيه أيضا يحتاج العودة للأهلى.. فكان الرضوخ الكامل لجميع الشروط والمطالب بداية من الراتب الضخم وحتى المساعدين الثلاثة القادمين من البرتغال..
وإذا كان الأهلى لم يستطع أن يقول (لا لجوزيه) إلا فيما يخص طارق العشرى الذى أراده جوزيه مدربا عاما يساعده.. فهذه هى الـ«لا الوحيدة التى تمنيتها (نعم).. مسؤولو الأهلى رفضوا العشرى لأنه ليس من أبناء الأهلى.. وليس فى زمن الاحتراف شهادات ميلاد وحسب ونسب، وإلا كان الأولى تطبيق هذه القاعدة على اللاعبين أيضا..
ولو كنت من مسؤولى الأهلى لقبلت التعاقد مع العشرى مدربا عاما واتفقت معه على أن يكون التلميذ النجيب.. والمدرب الطموح.. القابل والقادر فى أى لحظة على أن يجلس على مقعد الرجل الأول.. فلا ضمان هناك لأن يبقى ناصر الخرافى يدفع كل يوم اثنين وعشرين ألف جنيه يتقاضاها جوزيه.. وقد يرحل الخرافى أو يعتذر فى أى لحظة فلا يبقى مانويل ولكن قطعا سيبقى العشرى.
■ لا أريد أن أكون مثل عواجيز الفرح.. أولئك الذين يجلسون فى أى فرح دون أن يرضوا عن أى فرح.. طول الوقت لا يعجبهم أياً من الناس.. سلوكهم وكلامهم وثيابهم وخطواتهم.. يكتفون فى كل مرة بمصمصة شفاههم وهز رؤوسهم، دلالة على عدم إعجابهم ورضائهم عما يجرى دون أن يفكروا ولو مرة واحدة فى المشاركة بالفكر وفى تقديم اقتراحات وحلول تدل على اهتمام حقيقى ورغبة صادقة فى النجاح.. ولهذا لن أبدأ حديثى إلا بعميق وصادق الشكر والامتنان لاتحاد كرة القدم الذى أقام دورة حوض النيل الدولية والودية فى خطوة أولى وجادة وحقيقية لاستثمار كرة القدم وشعبيتها الطاغية لمصلحة مصر سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا..
فقد بدا هذا الحلم ولوقت طويل صعباً جدا أن يتحقق ويكتمل.. لكن نجح سمير زاهر وهانى أبوريدة وزملاؤهما فى مجلس إدارة اتحاد الكرة فى قطع الخطوة الأولى والضرورية.. وانطلقت بالفعل مساء أمس الأول.. أول دورة كروية تجمع سبعة دول تتقاسم معا امتلاك النيل وتبقى كلها شاهدة على جريانه من الجنوب إلى الشمال..
وكأى خطوة أولى.. كانت وستكون هناك أخطاء من المؤكد أنها لم ولن تقع من باب القصد والتعمد وإنما فقط من باب الحماسة والاندفاع وعدم التركيز أو عدم التفكير كثيرا وطويلا.. فقد فوجئت على سبيل المثال برئيس اتحاد الكرة وأكثر من عضو مجلس إدارة يؤكدون أكثر من مرة أن هذه الدورة هى أفضل إعداد لمنتخبنا القومى قبل المباراة الحاسمة والفاصلة أمام جنوب أفريقيا.. وقد كنت أفهم أن يأتى مثل هذا التصريح على لسان حسن شحاتة وزملائه، أعضاء الجهاز الفنى للمنتخب القومى، باعتبارهم يقودون وحدهم أمور وشؤون وشجون المنتخب ولا تعنيهم إلا الجوانب الفنية وأفضل سبل إعداد فريقهم لتحقيق أحلام وطموحات كروية هائلة لكل المصريين..
أما أن يأتى هذا التصريح على لسان رئيس الاتحاد وأعضائه.. فإنه يصبح تصريحا ساذجا وسخيفا ويسىء تماما إلى مصر والدورة وللهدف الذى أقيمت من أجله.. فنحن لا ننظم تلك الدورة لإعداد منتخبنا.. ولا نستضيف تلك الدورة لأن منتخبنا كان فى حاجة لبضع مباريات ودية على سبيل المران وكَشْف العيوب والأخطاء وتأهيل وتجهيز لاعبين قدامى أو جدد.. فمعظم دول حوض النيل عانت فى الماضى كثيرا وطويلا وحتى وقت قريب جدا من نبرة مصرية تتسم بالتعالى غير المبرر، وسلوك سياسى واقتصادى واجتماعى وإعلامى لا يتسم بالاحترام الكافى لشركاء نهر وحياة..
وحين حاولت مصر تغيير تلك النبرة وضبط هذا السلوك، وقامت بمشاوير كثيرة سياسية واقتصادية انتهت بهذه الدورة الكروية.. يعود مسؤولو اتحاد الكرة ليؤكدوا من جديد أنه لا شىء تغير، وأننا أحضرنا منتخبات تلك الدول فقط لتمرين منتخبنا..
ثم إننى أعترض تماما على شعار (لا للإرهاب) الذى تقرر فى اللحظة الأخيرة أن يصبح الشعار الرسمى للدورة.. وقد كان ذلك مزايدة إعلامية ومحاولة ساذجة لركوب أى موجة وإظهار اتحاد الكرة باعتباره الهيئة التى تحس بالناس وتساير همومهم ومواجعهم، وتنجح على أرض الواقع فى تجسيد ما يحاوله الإعلام وما تتمناه الحكومة.. فمن المؤكد أن حادثة الإسكندرية الموجعة والقاسية أزعجتنا وأربكتنا وأخافتنا كلنا..
وأن الدموع فى كنيسة القديسين كانت دموعنا كلنا أقباطا ومسلمين.. ولكن يبقى هذا شأننا الداخلى ولا علاقة له بدورة كروية نقيمها من أجل أهداف وحسابات أخرى.. وأود أيضا التوقف أمام ظاهرة مهمة ولافتة للانتباه والدهشة أيضا.. فقد كنت أتخيل أن يقوم اتحاد الكرة أو المجلس القومى للرياضة أو حتى وزارة الخارجية بتوجيه الدعوة لأكبر عدد ممكن من الصحفيين ليأتوا من البلدان الستة المشاركة فى تلك الدورة ضمانا لخلق رواج إعلامى حقيقى فى كل بلد منها، وحتى نضمن وصول أكثر من رسالة مصرية لهؤلاء الناس فى تلك البلدان..
وأظن أنه كان ضروريا أن تقوم وزارة الإعلام بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمجلس القومى للرياضة واتحاد الكرة لتقديم التسهيلات الإعلامية لكل بلد مشارك ليمتلك استوديو تحليل مؤقتا خاصا به هنا فى القاهرة لمتابعة وقائع تلك الدورة.. وقطعا كان مصريون كثيرون سيكونون ضيوفا يتحدثون عن الكرة وعن الناس والنيل والحب والمستقبل.. لكن أحدا لم يهتم بأى من ذلك.. ولم تتضمن صحافة تلك البلدان المشاركة فى الدورة وشاشاتها أى إشارة كافية أو رسالة غير مباشرة تحمل الهدف الذى أقيمت من أجله هذه الدورة..
بل بقى كثير من الناس هناك يتخيلون أن منتخب بلادهم فى القاهرة فقط ليلعب عدة مباريات ودية مع آخرين.. وعلى أى حال، هذه أخطاء لا تعنى عدم شكر كل من فكر وشارك فى التخطيط لهذه الدورة واستضافتها وتنظيمها.. ولكن يبقى رجاء بتلافى تلك الأخطاء مستقبلا وعدم تكرارها ضمانا لتحقيق أحلام وطموحات سياسية واقتصادية لمصر كلها، يستعين فيها المصريون بكرة القدم بعيدا عن ملاعبها وشكلها التقليدى واعتبارها فقط مجرد لعبة.
■ بدأ نادى الزمالك أمس الأول احتفالاته الرسمية بمائة سنة زمالك.. وتجمع كثيرون جدا من عشاق الزمالك أمام بوابات النادى الكبير والعريق فرحة منهم واعتزازاً ورغبةً بأن يكونوا شهود هذا الاحتفال الذى لا يتكرر إلا كل مائة عام.. ولى ملاحظتان أساسيتان أتوقف أمامهما بشكل عابر قبل الانتقال لمطالب وأمنيات أتقدم بها لمجلس إدارة الزمالك برئاسة المستشار جلال إبراهيم.. الملاحظة الأولى: تتعلق بتوجيه الدعوة المفتوحة لكل عشاق وجماهير الزمالك للقدوم للنادى والاحتفال بالمئوية.. جرى ذلك دون أى تنسيق مع الأمن ودون تمهل وإدراك أن نادى الزمالك بكل مساحته فى ميت عقبة أبدا لن يتسع لمن سيأتى من عشاق الزمالك الذين لا أول لهم ولا آخر..
فكان أن وقعت صدامات وأزمات لم يكن لها أى داعٍ أو ضرورة.. ولولا حكمة قادة الوايت نايتس وألتراس الزمالك وقادة مشجعيه، ورجال الأمن، وطول صبرهم، وتفهمهم دواعى حضور كل هؤلاء وفرحتهم بناديهم.. لكان من الممكن أن تبدأ احتفالات المئوية بمشكلة حقيقية: الملاحظة الثانية: تتعلق بهذا الخلاف الذى ليس له أى معنى بين الدكتور شيرين فوزى، عضو مجلس إدارة الزمالك، رئيس لجنة المئوية، وصبرى سراج، عضو مجلس الإدارة السابق، الذى قال إن المجلس الحالى لم يقدم أى جديد بشأن أفضل السبل للاحتفال بالمئوية وإنما هى كلها أفكار سبق أن تقدم بها صبرى سراج حين كان هو المسؤول عن احتفالات المئوية فى المجلس السابق..
فالمشكلة ليست مَنْ صاحب الأفكار، إنما هى - وستبقى طول الوقت - الوصول لأفضل شكل ممكن للاحتفال بالنادى العريق بشكل يليق بمكانته وعشاقه فى كل مكان.. وأنا أثق فى أن شيرين فوزى وصبرى سراج يحبان الزمالك.. ولهذا أتمنى أن يذوب هذا الخلاف سريعا.. أتمنى أيضا أن يبدأ المجلس الحالى احتفالاته الرسمية بلقاء حميم ورائع وضرورى وجميل يجمع بين المجلس الحالى وكل من سبقت لهم إدارة هذا النادى الكبير: ممدوح عباس والمستشار مرتضى منصور والدكتور كمال درويش والدكتور محمد عامر ومرسى عطا لله..
وأكبر وأجمل وأهم عشاق للزمالك: حمادة إمام وحسن شحاتة وفاروق جعفر وطه بصرى وكل النجوم الرائعين والكبار.. الإعلاميان الكبيران فهمى عمر وكامل البيطار ومعهما كل عشاق الزمالك من رجال الإعلام وقادته.. المهندس حسن صقر، رئيس المجلس القومى للرياضة، ومعه كل الوزراء والمسؤولين السياسيين الكبار الذين ينتمون لهذا النادى الكبير.. محمد منير وعمرو دياب وهانى شاكر وكل الأصوات الجميلة العاشقة للزمالك.. نور الشريف وسامى العدل وكل النجوم الرائعين..
ولست أقصد من وراء ذلك إلا أن تبدأ سنة المئوية بإذابة أى جليد وإسقاط أى أسوار أو حساسيات وحواجز قديمة، آن لها أن تنتهى وتختفى تماما.. فالفرحة فى أبسط معانيها تعنى الصفح والتسامح وإعلاء قيم الحب والانتماء.. ورؤية ممدوح عباس ومرتضى منصور وكمال درويش ومحمد عامر ومرسى عطا الله يجلسون على مائدة واحدة.. يعلنون بصوت واحد بدء احتفالات الزمالك بالمائة سنة.. ستكون هى الفرحة الحقيقية التى لابد منها ليبدأ أى احتفال.. ولا أظن أن أحدا من هؤلاء سيتردد فى تلبية أى دعوة للحب.. والمشاركة.. والحلم بنادى قوى وجميل ومسكون بالكبرياء والتألق اسمه الزمالك.