ولد أحمد عرابى فى قرية بمحافظة الشرقية، وكان أبوه شيخ البلد وهو من عائلة بدوية استوطنت تلك القرية فى عهد جد عرابى، وحرص أبوه على أن يعلمه القراءة والكتابة ويحفظه القرآن الكريم، ثم أرسله إلى الجامع الأزهر وعمره ثمانى سنوات لطلب العلم، ومكث فيه أربع سنوات أتم خلالها حفظ القرآن الكريم، وتلقى شيئا من اللغة والفقه والتفسير. عاد الشاب عرابى إلى قريته دون أن يتم دراسته فى الأزهر، والتحق بالجيش المصرى جنديا بسيطا تمت ترقيته بعدها بأربع سنوات إلى مرتبة الضباط نظرا لكفاءته وهو بعد فى السابعة عشرة، وتوالت الترقيات حتى وصل إلى رتبة قائم مقام فى عام ١٨٦٠م.
يذكر الكاتب محمود صلاح فى كتابه «محاكمة زعيم.. أوراق القضية الأصلية لمحاكمة أحمد عرابى» أنه بعد انتهاء التحقيق مع أحمد عرابى ورفاقه من زعماء الثورة العرابية وتحديد موعد محاكمتهم.
أرسل له قومسيون التحقيق رسالة ليبلغه فيها بأن: الدعوى المختصه بكم ستقدم للمحكمة العسكرية فى يوم الاثنين ١٦ أكتوبر ١٨٨٢ الساعة ٢ ظهراً، فلزم إشعاركم كى تستعدوا للمدافعة عن أنفسكم وإن رأيتم تعيين من يحامى عنكم فلا بأس فى ذلك، بشرط أن تنتخبوه من الأشخاص الأهليين المتعاطين حرفة الأفوكاتية الموضحة أسماؤهم بالكشف طيه. واعلموا أنه سيصرح للأفوكاتو الذى تنتخبونه بالدخول عندكم فى السجن والمكالمة معكم.
وجاءت محاكمة الزعيم التى لم تستغرق سوى خمس دقائق فقط وأعلنت المحكمة بعدها الحكم لتكتمل فصول «المهزلة»، ويبين الخديو رقة قلبه وواسع رحمته بتخفيف حكم الموت إلى النفى للأبد خارج مصر.
فلما انتظم المقام أمر حضرة الرئيس بإحضار أحمد عرابى فتوجه ضابط وأتى به ويخفره عسكريان ببنادقهما كالعادة مع كل سجين، ودخل القاعة وهو أصفر اللون وجلس.
فخاطبه الرئيس قائلا: أحمد باشا عرابى؟
فانتصب.
فقال الرئيس: تبين مما أوضحه مجلس التحقيق أنك عصيت وحملت السلاح ضد الحضرة الخديوية فكنت بذلك مضاداً للبند ٩٦ من القانون الحربى العثمانى، والبند ٥٩ من قانون الجنايات العثمانى.. فهل تعترف أنت نفسك بالعصيان؟
فلما انتهى حضرة الرئيس جلس عرابى..
ووقف المسيو برودلى محاميه متحدثا باللغة الفرنسية: إن موكلى يعترف بارتكابه العصيان وأنا المحامى عنه أصدق على ذلك وإليكم إعلانا موقعاً منه بهذا الشأن. فأخذ كاتب المجلس هذا الإعلان العربى فى العبارة وتلاه على الحضور وملخصه: إننى أعترف بعصيانى ضد الحضرة الخديوية، وأقر بذلك موافقة لرأى المحامى عنى. موقعاً أحمد عرابى المصرى.
وانتصب سعادة الرئيس قائلاً: إن صدور الحكم بعد الظهر، وانفضت الجلسة بعد خمس دقائق، وتقدم الكتاب الإنجليز وسلموا على عرابى وفى الثالثه بعد الظهر عقد المجلس مرة أخرى ووفد المواطنون وحضر أيضاً دولة نوبار باشا والجنرال أليزون.
وأقبل المجلس العسكرى بالزى الرسمى وانتصب الحاضرون واستوى كل منهم فى مكانه وأمر رؤوف باشا بإحضار عرابى وخاطبه الرئيس قائلا له: «بناء على اعترافك بالعصيان وإقرارك بحمل سلاح ضد الحضرة الخديوية لم يكن للمجلس إلا أن يصدر الحكم عليك، ولقد أصدر باتفاق الآراء عملا ببندى ٥٩و٩٦ من القانون العثمانى، اللذين يقضيان على من أتى العصيان بالإعدام، فالمجلس قضى بقتلك».
ثم قال رؤوف باشا «وإننا لما رفعنا هذا الحكم إلى الحضرة الخديوية التى هى منبع الجودة والرحمة رأت أن تستبدل القصاص بقصاص آخر وقد أصدرت أمرها الكريم بهذا الشأن وتلاه رفعت أفندى عبداللطيف جهراً وينص على (نحن خديو مصر بناء على ما لنا من حقوق العفو المختص بنا فقط، وبناء على أن المجلس العسكرى أصدر اليوم حكمه بقتل أحمد عرابى عقابا لعصيانه اقتضت رحمتنا أن نستبدل هذا القصاص بما يلى:
البند الأول: يُنفَى أحمد عرابى من جميع أرض مصر وملحقات الحكومة المصرية.
البند الثانى: وإذا رجع أحمد عرابى إلى أرض مصر فلا يعامل بالعفو بل يقتل.
البند الثالث: على رئيس نظارنا ونظارنا كل بما خصه تنفيذ أمرنا هذا) توقيع «محمد توفيق»، وقال الرئيس: انفضت الجلسة وعاد عرابى إلى محبسه وقامت إحدى السيدات بتقديم الزهور لعرابى، وانصرف الجميع فى ذهول، وتبين أن السيدة التى أعطت الزهور لعرابى هى إحدى أميرات الأسرة العلوية «إنجى».
وقد أصدر سعادة ناظر الداخلية أمره الصادر فى ٢ صفر ١٢٠٠ هجرية الموافق ١٤ ديسمبر سنة ١٨٨٢ ميلادية بأن أملاك أحمد عربى وطلبة عصمت وعبدالعال حلمى ومحمود سامى وعلى فهمى ومحمود فهمى ويعقوب سامى صارت ملكاً للحكومة.