بعثت الثورة المصرية التى نجحت فى الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك الأمل لدى الشعوب العربية للانتفاض على أنظمتها الحاكمة، وانتقلت رياح التغيير سريعا إلى الجزائر التى شهدت أمس خروج آلاف المتظاهرين المطالبين بـ«سقوط النظام»، ويتجه السيناريو المصرى للتكرار فى الجزائر، إذ استبقت الحكومة الدعوة لأكبر مسيرة احتجاجية بحظر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، كما أطلق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بلطجيته من قوات أمن ومكافحة الشغب وأنصاره على المتظاهرين فى محاولة لتفادى اتساع رقعة الاحتجاجات التى قد تؤدى إلى انهيار النظام.
واستبقت السلطات الجزائرية مسيرة للمطالبة بالتغيير وبـ«سقوط النظام» ونشرت ما بين ٢٥ و٣٠ ألفاً من قوات الأمن ومكافحة الشغب والبلطجية ومن يوصفون بأنهم أنصار النظام فى العاصمة وأغلقت مداخلها لمنع خروج أكبر مسيرة فى تاريخ البلاد، وسبقت تلك الإجراءات إقدام السلطات على إغلاق مواقع التواصل الاجتماعى منذ يناير الماضى مثل «فيس بوك» وتويتر والتى باتت السلاح الأقوى للمعارضين والحركات الشبابية فى التنسيق لتنظيم احتجاجات ضد النظام كما حدث فى تونس ومصر.
ومما يدلل على إصدار تعليمات لبلطجية الرئيس من نظامه وصول عشرات الشبان إلى ساحة الوئام المدنى، حاملين صور بوتفليقة، مرددين شعار «بوتفليقة ليس حسنى مبارك»، وهو ما حدث فى مصر يوم الأربعاء الأسود عندما أطلق نظام مبارك وأنصاره فى الحزب الوطنى البلطجية الذين اعتدوا على الثوار فى ميدان التحرير فيما عرف بواقعة «الجمل».
ورأس وزير الداخلية دحو ولد قابلية أمس اجتماع أزمة لمتابعة تداعيات المسيرة. ودعت السلطات الجزائرية، فى بيان بثته الإذاعة، المواطنين إلى عدم التجاوب مع الدعوة للتظاهر، محذرة من أن جميع المسيرات فى العاصمة ممنوعة، مؤكدة فى نفس الوقت أن كل تجمهر بالشارع يعتبر إخلالا ومساسا بالنظام العام.
واقتحم نحو ٢٠٠٠ متظاهر الطوق الأمنى الذى فرضته السلطات الأمنية فى ساحة الأول من مايو وسط العاصمة إلا أن الشرطة سرعان ما تمكنت من وقف تقدمهم، بعد أن عززت تواجدها وأغلقت مداخل العاصمة لمنع وصول محتجين من المدن المجاورة، وقبل انطلاق المسيرة وقعت صدامات بين مئات المحتجين وقوات الأمن التى اعتقلت عددا من المتظاهرين، بينهم فضيل بومالة، أحد مؤسسى التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية التى دعت إلى المسيرة، كما اعتقلت الشرطة النائب فى البرلمان عن حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» عثمان معزوز.
وأفاد صحفيون بأنهم رأوا الشرطة تعتقل متظاهرين آخرين، وهتف المتظاهرون: «الجزائر حرة» و«ليرحل النظام» وتوقفت حركة القطارات والحافلات فى العاصمة وضواحيها لتفادى وصول مشاركين إلى المظاهرات، وكانت الشرطة قد منعت مسيرة مساء أمس الأول، بالعاصمة ابتهاجا بنجاح الثورة المصرية، واعتقلت بعض المشاركين فيها وأصيب ١٠ على الأقل فى المواجهات كما منعت الاحتفال بسقوط مبارك أمام السفارة المصرية.
وكانت الحكومة الجزائرية قد رفضت التصريح بالمظاهرة فى العاصمة بداعى الحفاظ على الأمن العام وهو مبدأ سائد منذ ٢٠٠١، إلا أن أحزاب المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان أكدوا عزمهم المضى فى المسيرة للمطالبة بظروف معيشة أفضل ومزيد من الحريات، وبدأت المسيرات والتجمعات الساعة ١١ بتوقيت الجزائر، وانطلقت فى العاصمة من ميدان موريتانيا، ثم توجهت إلى ساحة الشهداء على سفح القصبة وعند مدخل باب الواد.
ووزع منظمو المظاهرات منشورات تدعو للخروج فى عنابة شرقا والبليدة غربا، رغم قيام قوات الأمن بمصادرة تلك المنشورات، فيما تعتزم ولايات الاستجابة للدعوة إلى الاحتجاج، من بينها بومرداس وبجاية شرقا، وتيزى أوزو جنوب العاصمة وتيبازة غربا.
وتنظم المسيرات «التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية» التى تشكلت فى ذروة أعمال الشغب فى الشهر الماضى وتضم أحزابا معارضة وجمعيات من المجتمع المدنى ونقابات غير رسمية، وتدعو التنسيقية إلى «تغيير النظام» فى مواجهة «الفراغ السياسى» الذى يهدد المجتمع الجزائرى بالتفكك، وقال محسن بلعباس، المتحدث باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الحزب الوحيد الذى يدعم المظاهرات: «نحن جاهزون للمسيرة، سيكون يوما عظيما للديمقراطية فى الجزائر»، بعد قرار «جبهة القوى الاشتراكية»، وجمعية «تجمع أعمال شبيبة»، عدم المشاركة فيها.
وتثار مخاوف لدى النظام الجزائرى من أن تندلع اضطرابات واسعة فى البلاد تؤدى إلى زعزعته، لكن محللين يقولون إن انتفاضة على غرار ما حدث فى مصر غير مرجحة لأن الحكومة يمكنها أن تستخدم أرصدتها التى تبلغ ١٥٧ مليار دولار من عوائد النفط والطاقة لتهدئة المخاوف وتلبية المطالب.
وفى اليمن، تظاهر مجددا أمس نحو ٤ آلاف شاب وسط صنعاء، داعين إلى رحيل الرئيس غداة تنحى مبارك تحت ضغط الشارع، وسار المتظاهرون على وقع هتافات من بينها: «ارحل ارحل على» و«الشعب يريد إسقاط النظام» من جامعة صنعاء إلى وسط العاصمة، وكان ميدان التحرير فى صنعاء قد شهد أمس الأول مشاركة الآلاف من أنصار الرئيس، مطالبين ببقاء النظام مقابل آلاف آخرين احتفلوا بالثورة المصرية وتغيير النظام وردد المعارضون الأغانى المصرية التى تشيد بنضال المصريين.
وجاء ذلك بعد مشاركة الآلاف من أنصار الحراك الجنوبى فى «جمعة الغضب»، أمس الأول، فى محافظات عدن وأبين والضالع وشبوة، ورددوا شعارات تطالب بالتغيير، ورحيل النظام قائلين: «على يا على.. حصل بن على» فى إشارة إلى الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على الذى هرب إلى جدة فى ١٤ يناير الماضى، قبل أن تسارع قوات الأمن بتفريقهم واعتقال بعضهم.
ونصب بعض المتظاهرين خياما على قارعة الطرقات فى محافظة أبين وارتدى مئات منهم أكفانا بيضاء أمام منزل القيادى فى الحراك الجنوبى طارق الفضلى وتعهدوا بالبقاء حتى تتحقق مطالبهم. وقال محللون يمنيون إن التوتر فى البلاد أصبح ملموساً ليلة تنحى مبارك.
واجتمع الرئيس اليمنى مع القادة السياسيين والعسكريين، لبحث الوضع وزيادة رواتب موظفى الدولة والجيش للمرة الثانية منذ زيادتها الشهر الماضى، مما يشير إلى أن عبدالله صالح يحاول ضمان استمرار ولاء الجيش فى حالة وقوع اضطرابات، بينما يقول خبراء يمنيون إن الخطر الحقيقى على حكم صالح يكمن فى انضمام المعارضة السياسية مثل الانفصاليين فى الجنوب أو المتمردين الشيعة فى الشمال.
وكان صالح قد سعى لاستباق اندلاع مزيد من الاحتجاجات بإعلانه أنه لن يترشح مجددا للرئاسة فى نهاية فترته الحالية عام ٢٠١٣، كما لم يتم توريث الحكم لنجله أحمد فى خطوة لتفادى الاضطرابات.
وفى الوقت نفسه، استبقت دول عربية أخرى مطالب شعوبها بعد سقوط النظام فى مصر ودعا الزعيم الليبى معمر القذافى شعبه إلى التمسك بسلطة الشعب لتقرير مصيره بنفسه والإشراف على توزيع أموال ثروته معلناً دعمه عودة صدور صحيفة «قورينا» اليومية، واستئناف بث أحد البرامج الإذاعية الذى كان ينتقد أداء المسؤولين، وقال القذافى إن ليبيا «تتفرد بنظام سلطة الشعب الذى يتيح لمواطنيها العيش بكل كرامة وحرية»، وأضاف أن أجواء عدم الاستقرار تؤثر على أى بلد.
بدوره، أمر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أمس الأول بصرف مبلغ ١٠٠٠ دينار بحرينى (حوالى ٣ آلاف دولار أمريكى) لكل أسرة بمناسبة الذكرى العاشرة لإقرار ميثاق العمل الوطنى عام ٢٠٠١ والذى حظى بإجماع ٩٨.٤% من البحرينيين، وقاد إلى الإصلاحات التى شهدتها البحرين وتمخض عنه إقرار دستور جديد عام ٢٠٠٢ أتاح إجراء انتخابات نيابية وبلدية فى العام نفسه كما تأتى الخطوة،
بعد دعوة أطلقها ناشطون على موقع «فيس بوك» للتظاهر اليوم فى ذكرى إقرار الميثاق رافعين مطالب سياسية واجتماعية إلا أن مسؤولا حكوميا استبعد وجود أى صلة بين قرار صرف الأموال بالدعوة إلى التظاهر.