فى السنوات الأولى للالتحاق بالمدرسة كنا صغاراً نشاغب ونخالف ولا نؤدى معظم ما نؤمر به، كانت الشقاوة تغلب علينا وكان مقابلها الوعيد الذى يأتى إلينا دائماً من إدارة المدرسة بأن حجرة الفئران فى انتظارنا، وما أدراك ما حجرة الفئران فى أذهان الأطفال، كانت تمثل (الفزّاعة) التى تعنى الظلام والخوف والحشرات الشريرة والفئران التى تقرض بأسنانها أطرافنا، وظللنا سنوات المدرسة الأولى نخشى النظر إلى أى باب مغلق لا نعرف ما وراءه حتى كبرنا وعرفنا أن وراء الباب لا شىء وأن فزّاعات حجرة الفئران وَهْم من صنيع الإدارة لإخافتنا.
ويبدو أن هذه الفكرة البسيطة قد تبناها النظام المصرى بجدارة خلال السنوات الماضية فصمم لنا الكثير من حجرات الفئران ومن فزاعاتها، فهذه وراءها شبح الإرهاب وهذه خلفها الأجندات الأجنبية وهذه بها المواجهة الطائفية وتلك يسكنها الهجوم المحتمل لسكان العشوائيات، أما هذه فبها الإخوان المسلمون وبجانبهم القلة المندسة.. وهلم جرا، حتى وصل الأمر إلى التخويف من الفضائيات العربية والأجنبية.
سنوات طويلة وفزَّاعات النظام تؤرق نومنا وصحونا وتهدد صباحنا ومساءنا وكل أيامنا، ولمواجهتها لابد أن نتقوقع على أنفسنا ونتحدث ونتشكك ونتمسك بأهداب وأطراف ورجال النظام على اعتبار أنه الملاذ الوحيد من المصائب الوهمية ومن الفئران الافتراضية.
سنوات كاد المسلم فيها يمسك بتلابيب المسيحى والعكس، يحسب كل منهما من جاء إلى مصر قبل الآخر ومن له حق المواطنة ومن له حق الضيافة، سميناه تهاوناً احتقاناً طائفياً، سهم مسمم يسرى فى الدماء النقية ويلوثها بفعل فاعل، ونحن عنه كنا غافلين.
سنوات يتكدس البسطاء والغلابة فى جحور كالمساكن على أطراف المدن، منبوذين يتعايشون مع الفقر والغلب والجريمة ويفرزون أطفالاً كالقنابل الموقوتة وبدلاً من أن ننتشلهم من هوة البؤس نعايرهم ونحذر من انقضاضهم على المدن لحظة الانفجار لكنه عندما جاء، وبنفس منطق الاستغلال تم شراء البعض منهم بالمال وبفعل فاعل تم دفعهم للقتل والضرب والسرقة والتخريب.
سنوات نرتعد من الأجندات الأجنبية ومن المؤامرات الدولية التى تفرغ العالم كله ليحكيها لنا ولا يحمينا منها إلا النظام الواعى الفاهم وقانون الطوارئ، الإخوان المسلمون مستعدون للانقضاض على سدة الحكم وسيدخلون الناس الجحور والنساء البيوت والمسيحيين إلى خارج مصر، أمريكا تمسك بكل خيوط اللعبة، هى التى تقرر الحاضر والمستقبل ومعها إسرائيل بينما انسابت الخيوط من أيدينا، أما المعارضة فهى موتورة وطماعة وذات مصالح مريبة.. وهكذا، والناتج شعب محبط بلا روح ولا طعم ولا رائحة ولا أمل فى المستقبل.
لكن الله ــ سبحانه ــ أراد أن يكشف الغطاء ويحبط الفزّاعات على يد أنبل وأغلى ما نملك، شباب كالشهب يفتحون لنا بأرواحهم وإصرارهم وطهارتهم طاقات النور والأمل والحياة والمستقبل.