وجوه مختلفة وطوائف متعددة جمعها «حب الوطن» كان مطلبهم واحداً «رحيل الرئيس مبارك»، مشددين على أنهم ليسوا جميعاً «إخوان مسلمين» وأن «الدم المصرى» يجرى فى عروقهم بلا استثناء.
«المصرى اليوم» ذهبت إلى ميدان التحرير فى «جمعة الرحيل» للتعرف على دوافع ذهابهم إلى هناك ومبررات البقاء.
كان القرار أن تقتصر مشاركته فى المظاهرات على محل إقامته فى محافظة كفر الشيخ، ولكن مشاهدته «بلطجية» اقتحموا ميدان التحرير على المتظاهرين، عبر شاشات التليفزيون، دفعه إلى قرار آخر بالمشاركة من «قلب الحدث نفسه». ومن هنا توجه «أحمد رضوان» إلى ميدان التحرير حتى يثبت للنظام المصرى «إنه مش هيقدر يرعبنا»، مؤكداً أن قرارات الرئيس «مجرد تغيير وجوه» وأنه لن يعود إلى منزله إلا برحيل مبارك «سواء قعدت شهر أو ٦ شهور».
الرجل البالغ من العمر ٣٢ عاماً ويرعى أسرة مكونة من ٤ أولاد يقول إن مشاركته فى التظاهر ليس لأسباب مادية «إحنا بنحمد ربنا لو أكلنا وجبة واحدة فى اليوم»، موضحاً: «أنا هنا علشان كل الشباب اللى ماتوا فى الميدان ده».
يؤمن أحمد بأن الشباب المتظاهر فى الميدان واع ومثقف ولن ينجح «الإعلام الحكومى» فى تضليله من خلال الشائعات التى يطلقها، وتعجب من «قصة الإخوان» التى يرددها النظام قائلاً: «إحنا كلنا مواطنين مصريين».
حسن محمد حسن اللبان، أحمد المشاركين فى مظاهرات «جمعة الرحيل» فى ميدان التحرير، قال إن وفاة ابن عمه خلال إحدى مظاهرات محافظة القليوبية، كانت السبب الأساسى لمجيئه، متسائلاً: «لما العادلى أمر ضرب الرصاص الحى على ماهر حسن اللبان.. كان رئيس الجمهورية فين؟»، صاحب الـ ٥٢ عاماً يؤكد أنه ترك فتاته المتزوجة منذ أسبوع ليشارك فى تلك المظاهرات، ويقول القادم من مركز الخانكة محافظة القليوبية إنه لن يرحل إلا برحيل «مبارك» منوهاً إلى أن النظام الفاسد هو نظام الرئيس.
طالب بالصف الأول الثانوى، بمحافظة ٦ أكتوبر، شارك أيضاً فى مظاهرات «جمعة الرحيل». أحمد خالد، أوضح أن سبب مشاركته هو عدم وجود «مروحة» فى الفصل الدراسى فى فصل الصيف، وعدم إصلاح الشبابيك المكسورة فى فصل الشتاء لتقى الطلاب من البرد. أحمد الذى يعمل والده مديراً لإحدى شركات البلاستيك ويتمنى أن يصبح فى المستقبل «مهندس معمارى» جاء ليطلب رحيل «مبارك» حتى يحصل كل طلاب مصر على تعليم أفضل.
«ماليش دعوة لا بإخوان ولا بأحزاب» قالها شاب بالغ من العمر ٣٦ عاماً – فضل عدم نشر اسمه - مشيراً إلى أن «جمعة الرحيل» هى اليوم الأول له فى التظاهر «الواحد زهق من القعدة فى البيت لا شغلة ولا مشغلة» فقرر النزول واصطحاب زوجته من منطلق «كل ما العدد يزيد هنخلص بسرعة».
يرى رب الأسرة المكونة من ٣ أفراد أن الفساد وصل إلى كل أجهزة الدولة، وأن قضاء أى طلب فى مصلحة حكومية لابد أن يتم عن طريق الرشوة. ودعا مدير المشتريات بإحدى الشركات المواطنين الذين لم يتقاضوا أجورهم بعد ومن يعمل باليومية إلى التظاهر، منبهاً إلى أن المتظاهر سيضمن تعليم «كويس» ومستقبل «أفضل» لأولاده.
زوجة الرجل قررت مشاركته التظاهر، ونفت أن تكون شاهدت فى «التحرير» جواسيس مؤكدة أن ما رأتهم شباب تعب وتعلم ولم يجد فى النهاية وظيفة أو شقة.
السيدة ترى أن القرارات التى قام الرئيس باتخاذها «لو كانت نيته خير» كان يجب أن يقوم بتنفيذها منذ ٣٠ سنة مضت. واختتمت: «الناس زهقت من سرقة البلد قدام عنيها»
الإحساس بكذب التليفزيون المصرى وعدم القدرة على مشاهدة قناة «الجزيرة» بشكل متواصل نتيجة قطع البث عنها، دفع محمد رفعت محمد رضا إلى ترك محافظة كفر الشيخ والقدوم إلى ميدان التحرير للمشاركة فى «جمعة الرحيل» مفسراً: «كنت عايز أعرف الحقيقة فين». ونفى محمد أن يكون كل من فى الميدان «إخوان» لافتاً إلى أن الإخوان جزء من الشعب «كتر خيرهم واقفين معاً». ويرى طالب الفرقة الأولى بكلية الهندسة أن «مؤيدين مبارك» ليس لديهم انتماء لشىء، ودلل على ذلك بأن مقار الحزب الوطنى عند اشتعال النيران فيها لم تجد من يطفئها.
محمد أبدى إعجابه بالحالة التى يعيشها المتظاهرون فى ميدان التحرير: «الناس هنا خايفين على بعض وبيدافعوا عن نفسهم» لأن هدف واحد يجمعهم وهو: «رحيل مبارك» وقضية سامية من أجل مصر تتمثل فى «نهضة البلد»، على حد ما قاله الشاب.
رغم سنوات عمرها السبعين، ذهبت إلى ميدان التحرير فى «جمعة الرحيل». العجوز أرجعت السبب فى تأييدها تظاهر الشباب معاشها الذى لا يصل إلى ١٥٠ جنيهاً، وتعجبت: «أنا مش عارفة إزاى الريس وصل السن ده ولسه بيحكم البلد».
شريف على، موظف بأحد البنوك فى محافظة الشرقية، أكد أنه سيظل فى التظاهر إلى أن يرحل «مبارك» مبديا استياءه مما سماه «أسطوانة مشروخة» عن «وقف حال البلد»، حيث يؤكد أن «البلد حالها واقف من ٣٠ سنة»، مشيراً إلى أنه فى «أشد حالات الاستقرار» وصل ثمن كيلو اللحمة ١٠٠ جنيه، وارتفع سعر الطماطم إلى ١٥ جنيهاً للكيلو. واختتم أن التظاهر هنا «من أجل كل فقير على أرض مصر». كونها غير محجبة، دفع كثيراً من المتظاهرين للإشارة إليها بعبارة «أهو ياجماعة.. مش كل المتظاهرين إخوان زى ما الحكومة بتقول»، بحسب ما ترويه أميرة أحمد، التى جاءت للتظاهر من أجل الحرية واحترام كل مواطن.
الطالبة فى الجامعة الأمريكية أكدت وجود جماعات مختلفة من المتظاهرين ما بين طلاب وعمال وأطباء ومخرجين وإخوان.
أكمل شريف توفيق أبوالنصر، ٦٩ عاماً، ومع هذا قرر النزول مع زوجته إلى ميدان «التحرير» فى «جمعة الرحيل» قائلاً إن «المهزلة» التى حدثت الأربعاء الماضى بعد اقتحام «بلطجية» بالجمال والخيول مقر المتظاهرين، هى السبب الأساسى لنزوله اليوم، متعجبا مما قال إنه «استخفاف رئيس الوزراء بالشعب»: «يعنى إيه جمل يتحرك من الهرم لحد ميدان مصطفى محمود وبعدين يروح التحرير والحكومة ما تعرفش». العجوز يقول إن ثورة هؤلاء الشباب «صغرتنى ٣٠ سنة» – على حد تعبيره - مؤكداً أن شباباً أقباطاً عرضوا عليه مساعدتهم، وأشار إلى أن الروح التى يراها من الشباب لم تظهر منذ ٣٠ عاماً. الرجل المقيم بحى المهندسين يرى أن مطالب الشباب مشروعة وأن ما حققه «مبارك» من إنجازات لم يستفد منه سوى فئة صغيرة. وأيدت زوجة شريف ما قاله، مضيفة: «الناس اللى جاية دى مش علشان الأكل.. الناس البسيطة دى جاية علشان الكرامة»، وأكدت أن هؤلاء لم يجدوا أبداً من يعاملهم باعتبارهم «بنى آدمين».
وفى ميدان التحرير، قام شاب برفع لافتة كتب عليها «هاتمشى هاتمشى.. عايز أحلق شعرى» فى إشاره إلى وجوده منذ أكثر من أسبوع مطالباً برحيل الرئيس مبارك. حذيفة نبوى محمد، هو ذلك الشاب الذى نشأ فى المملكة العربية السعودية، وعاد إلى مصر قبل ٣ سنوات. وأرجع السبب فى تظاهره إلى البحث عن «الحرية والعدالة الاجتماعية» واصفاً الإعلام الحكومى بالغباء والفساد.
«حذيفة» يقول إنه هنا من أجل «الناس البلطجية اللى كانوا جايين يعتدوا علينا فى الميدان»، مبرراً ذلك بأنهم «غلابة ومضحوك عليهم من النظام بتاع البلد» مشدداً على أنهم «أخواتنا»، على حد تعبير الشاب.
وعلى كرسى متحرك قرر أحد الشباب المشاركة فى مظاهرات «جمعة الرحيل» مرجعاً السبب إلى «عجزه عن فعل أى شىء فى حياته»، قائلاً: «طالما الشباب السليم مش واخد حقه فى البلد.. يبقى الكلام عن حقوق المعاقين واحتياجاتهم كلام فاضى وهبل»، مطالباً برحيل الرئيس مبارك، واختتم: «لازم نظام البلد كله يتغير من الأساس».