«أجنحة الفراشة» مقدمات لمظاهرات الرفض وتستشرف مصر القلقة

ما الذى قد يحدث حينما تجد ضحى، زوجة العضو القيادى فى الحزب الحاكم نفسها، معلقة فى الطائرة لأربع ساعات إلى جوار قطب المعارضة الأول أشرف الزينى فى طريقهما إلى روما؟ وماذا يحدث حينما يكتشف الشاب أيمن أن والدته التى قيل له إنها توفيت فى طفولته مازالت على قيد الحياة وهو لايعرف مكانها؟ وماذا يحدث حين تتبدد أحلام أخيه عبدالصمد عندما يكتشف أن الشيخة الكويتية، التى وعته بالزواج والسفر إلى الكويت للعمل هناك ماهى إلا واحدة من عصابة للنصب على الشباب الحالمين بغد أفضل؟ وماذا يحدث حين يسقط الحزب الذى دام حكمه المستبد لثلاثين عاماً على إثر سلسلة من المظاهرات والاعتصامات التى تصل إلى حد العصيان المدنى؟

كل هذا تم ورصدت تجلياته رواية محمد سلماوى على نحو استشرافى، فقد صدرت هذه الرواية قبل الأحداث الأخيرة التى حدثت فى مصر وكأنها تنبأت بهذا، وهى رواية فاتنة تتقاطع فيها وتلتقى الإجابات على هذه الأسئلة والتى تحولت إلى واقع، وفى هذه الرواية المحكمة تتشابك مصائر شخصياتها وفق فيض درامى متدفق وخلاب وغنى بالشخصيات المنحوتة من الداخل والخارج بدقة حتى إننا استشعرنا إننا نعرف هذه الشخصيات أو عاصرناها فى حياتنا، أما رواية سلماوى فاسمها «أجنحة الفراشة» وهى صادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، المدهش أن سلماوى نفسه كان قد تحدث عن هذه الرواية مع مقربين له من الكتاب وهو لايزال يكتبها، حتى إنها حققت شهرة قبل صدورها، ولعل مرد هذا، أن الرواية لاتمثل فقط حدا كبيرا من النضوج الروائى لدى سلماوى، وإنما أيضا لكونها تتقاطع مع ظرف تاريخى حرج تعيشه مصر حينما فاض الكيل وبدأت الثورة تتخلق فى النفوس، كما أنها تنطوى على مراجعات اجتماعية وسياسية وفكرية دون تصنع ودون حس روائى زاعق يحتكر الحكمة، وفوق هذا كله أن الروية رفعت سقف التخمينات مرتكزة على معطيات راهنة، فكانت استشرافية لم تكن مجانية وإنما مستندة على معطيات مرئية وملموسة.

وتعرض الرواية لعوالم جديدة يمكن وصفها بأنها عوالم طارئة على الرواية العربية، سواء على مستوى الطرح السياسى الذى جاء كتوليفة متماسكة وموضوعية مع النسيج السردى للعمل، فضلا عن العرض الخبير والمختلف فى مذاقه لدى سلماوى للعلاقات الإنسانية داخل العمل، ولانغالى إذا قلنا إنه يمكن اعتبار هذه الرواية شهادة روائية وإنسانية على اللحظة التاريخية التى تعيشها مصر،

ومن ثم فكان الطيف السياسى هو الغالب وهو الخلفية لهذا العمل الروائى وهو النسق الضمنى الأساسى لكنه ليس منبت الصلة عما هو إنسانى فى مهب التحولات المصرية والعربية الفادحة حيث تداعيات هذه التحولات على مصائر الشخوص ليتحدد بالتبعية مستقبل مجتمع بأسره، كتفصيلة رئيسية تتشعب أطيافها وتفصيلاتها، حيث تداعيات هذه التحولات على الشخصيات ومصائرهم، بل وعلى أخص شؤونهم وأدق تفاصيل حياتهم، حتى إنها تؤثر على الحياة الزوجية غير السوية بين الزوجة مصممة الأزياء الباحثة عن نفسها (ضحى الكنانى) وزوجها، فضلا عن الثنائيات المتوازية فى الرواية، فهناك ضحى والدكتور أشرف والعلاقة العاطفية والفكرية المتنامية بينهما وعلى التوازى معها نجد الشقيقين أيمن وعبدالصمد ومحاولتهما فى التحقق الإنسانى باتجاه الحلم بحياة أفضل، ولعل البحث الجماعى عن الذات لأبطال الرواية يمضى - فى مجمله- بالتوازى مع بلد يمر هو الآخر بمرحلة حراك سياسى وخاض رفضاً جماعياً باتجاه البحث عن ذاته أيضا، فتتشكل الحركات السياسية المطالبة بالتغيير وتنتشر المظاهرات فى كل مكان، وحين يصل الوطن إلى الخلاص أخيرا من حكم الحزب الفاسد والمتسلط، وتتوالى الإضاءات فى النص الروائى حيث يعثر أيمن على أمه، وتتخلص ضحى من زواجها الفاشل والنفعى وتتحول - على حد قولها - من يرقة رخوة لاحول لها ولاقوة لها إلى فراشة جميلة نما جناحان فصارت قادرة الآن - هى والوطن على التحليق فى السماء.

إن «أجنحة الفراشة» هى رحلة خلاص لبشر ولوطن بأكمله من القيود التى تحول دون تحقق الجميع وطنا ومواطنين، ولذا فلم يكن غريبا أن تبدأ الرواية ومعها تبدأ قصة الشخصيتين الرئيسيتين بالسفر (طيرانا)، حيث ضحى مسافرة إلى روما لتشارك فى عرض سنوى للأزياء فى الوقت الذى يتجه فيه أيمن لموقف أحمد حلمى للسفر بحثا عن أمه ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعترض رحلة كل منهما قوات الشرطة وسيارات الأمن المركزى التى تسد الشوارع وتقف للمتظاهرين بالمرصاد.